ومصداق ما في هذا الخبر ما تم على أيدي الطليعة الأولى من المهاجرين الكرام من أصحاب مصعب ابن عمير،(١)فقد أخرج البخاري بسنده عن البراء بن عازب(٢)قال: "أول من قدم علينا من أصحاب النبي ـ ﷺ ـ مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم(٣)، فجعلا يعلماننا القرآن"(٤).
وأخرج أبو نعيم بسنده عن ابن شهاب الزهري "أن النبي ـ ﷺ ـ بعث إلى الأنصار مصعب بن عمير أخا بني عبد الدار، فنزل في بني غنم على أسعد بن زرارة(٥)يحدثهم ويقص عليهم، فلم يزل يدعو، ويهدي الله على يديه، حتى قل دار من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس، ورجع مصعب إلى رسول الله ـ ﷺ ـ، وكان يدعى "المقرئ"(٦).

(١) - من بني عبد الدار القرشيين، كان حامل لواء بني هاشم يوم أحد فقاتل حتى استشهد رضي الله عنه، وأثنى عليه النبي ﷺ عند دفنه. طبقات ابن سعد ٣/١١٧ والاستيعاب لابن عبد البر ٣/٤٤٨ والإصابة لابن حجر ٣/٤٠١ والمعارف لابن قتيبة ٧٠.
(٢) - صحابي أنصاري أوسي من المكثرين لرواية الحديث نزل الكوفة ومات بها سنة٧١-٧٢ هـ ترجمته في طبقات ابن سعد ٦/١٧ والإصابة ١/١٤٦ وتاريخ بغداد للخطيب ١/١٧٧ ومشاهير علماء الأمصار ٤٤.
(٣) - هو عبد الله وقيل عمرو بن أم مكتوم القرشي العامري كان أعمى، استشهد بوقعة القادسية في زمن عمر، ترجمته في المعارف ١٢٦ – ومشاهير علماء الأمصار ١٦ ترجمة ٥٣ والاستيعاب ٢/٢٥١.
(٤) - صحيح البخاري بشرح فتح الباري لابن حجر ١٠/٣٢٨.
(٥) - هو أنصاري خزرجي أول من بايع ليلة العقبة، ومات قبل غزوة بدر. الإصابة لابن حجر ١/٥٠.
(٦) - حلية الأولياء لأبي نعيم ١/١٠٧.

إلا أن بعض المدارس الفنية قد بقي لها نوع من النفوذ في الميدان لا في مواجهة الشاطبية وتأثيراتها، ولكن في الإضافة إليها وتوسيع مدارك القارئين بمضمنها، مما رأينا أمثلة ونماذج وافية منه تمثلها القصائد والمؤلفات التي كتبت أو نظمت في تكملتها والزيادة عليها، ومن أهمها فيما يخص المدرسة المغربية "تكملة الإمام القيجاطي" التي نظمها تذييلا على الشاطبية ومكملا لها بما جمعه في مسائل الخلاف من مذاهب الأئمة الثلاثة أبي علي الأهوازي صاحب "الوجيز" وأبي محمد مكي صاحب "التبصرة" وأبي عبد الله بن شريح صاحب "الكافي"، وهو عمل من الإمام أبي الحسن القيجاطي يمكن أن نصنفه في إطار "المدرسة التوفيقية" التي رأينا معالمها عند كل من أبي عبد الله بن شريح وأبي جعفر بن الباذش صاحب "الإقناع"، وسوف نرى في العدد التالي كيف حاول الإمام القيجاطي أن يجدد هذا الإتجاه، وان ينعش في غرناطة آخر القلاع العلمية الباقية من الأندلس في هذا الشأن في أواخر طور التلاقح بين مدارس الأقطاب اتجاهات هذه المدرسة، وأن يؤسس بها مدرسة فنية خاصة يمكن تسميتها ب"المدرسة القيجاطية"، وأن يدعم بها الإتجاه التوفيقي الذي يعتمد الأخذ بما صح في النقل والأداء من طرق من ذكرنا من الأئمة الثلاثة المذكورين إلى جانب اختيارات أبي عمرو الداني فيما أمسى يعرف عندهم باسم"الجمع الكبير".
فهرس المصادر والمراجع
المعتمدة في العدد الرابع عشر:
- إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع للإمام عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة الدمشقي: تحقيق إبراهيم عطوة عوض-القاهرة: ١٤٠٢هـ-١٩٨١ مطبعة الحلبي.
- إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس للمولى عبد الرحمن بن زيدان: تقديم عبد الهادي التازيـ ـ ط. ٢: ١٩٩٠م الدار البيضاء ـ المغرب.


الصفحة التالية
Icon