ولقد ظلت المدينة المنورة في عهد الخلافة الراشدة مدرسة الوحي الكبرى التي ينهل منها الصادر والوارد كما غدت مرجعا لأهل الولايات الإسلامية في البلاد المفتوحة في تلقي كتاب الله وعرضه على مشيخة الإقراء بها، وكان بها جمهور من القراء الأئمة غير الأربعة الذين قدمنا يتصدرون لذلك، كالخلفاء الأربعة، والعبادلة الأربعة(١)، وأمهات المؤمنين، وزيد بن ثابت الأنصاري وأنس بن مالك وأبي الدرداء وعبادة بن الصامت وتميم الداري وصهيب بن سنان الرومي وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وسعد بن أبي وقاص وغيرهم من قراء الصحابة، ممن كان يرجع إليهم الناس في هذا الشأن خلال خلافة الراشدين وصدرا من دولة الأمويين، تحقيقا لوعد الصادق المصدوق ﷺ في قوله ـ فيما رواه أبو سعيد الخدري ـ "إن الناس لكم تبع، وإنهم سيأتونكم من أقطار الأرض، يتفقهون في الدين، فإذا جاؤوكم فاستوصوا بهم خيرا"(٢).
وعلى الرغم من انتشار كثير من هذه الكفاآت العلمية في الأمصار الإسلامية بعد فتح الشام والعراق ومصر وفارس وغيرها، وتزايد الحاجة إلى الأطر التعليمية والتوجيهية في هذه الأصقاع، واضطرار الخلفاء إلى انتداب الجماعة بعد الجماعة إليها من أولئك الفقهاء والقراء، ولاسيما في حملات الجهاد كما قدمنا فإن "المدرسة المدنية" قد حاولت الاحتفاظ بمشيختها، لحاجة الناس إليها من جهة، ولأنهم كانوا في الوقت نفسه بمثابة الحاشية الرسمية للخليفة، و"الأطر العلمية والقضائية" التي لا يمكن الاستغناء عنها، وإلى هذا يشير حديث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ بقوله: "كان القراء أصحاب مجلس عمر ومشورته، كهولا كانوا أو شبانا"(٣).

(١) - هم عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم.
(٢) - سنن ابن ماجة ١/٩١-٩٢ رقم الحديث ٢٤٩.
(٣) - صحيح البخاري بحاشية السندي ٤/٢٥٨ وكذا ٤/٢٧٢.

- الرحلة المغربية (رحلة العبدرى) لمحمد بن محمد العبدري الحيحي، تحقيق محمد الفاسي، نشر وزارة الدولة المكلفة بشؤون الثقافة والتعليم الأصلي، الرباط.
- رحلة ابن رشيد (ملء العيبة فيما جمع بطول الغيبة من الوجهة الوجيهة إلى مكة وطيبة) لأبي عبد الله محمد بن عمر بن رشيد الفهري السبتي، تحقيق الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة، نشر دار الغرب الإسلامي، ط. ١: ١٤٠٨هـ/١٩٨٨م.
- رسم المصحف (دراسة لغوية تاريخية) للدكتور غانم قدوري الحمد جامعة بغداد، ط. ١: ١٤٠٢هـ/١٩٨٢م.
- الروض الجامع في شرح الدرر اللوامع في أصل مقرإ الإمام نافع لأبي الحسن بن بري، تأليف مسعود بن محمد جموع السجلماسي (مخطوط خاص).
- زهر الآداب وثمر الألباب لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الحصري القيرواني، تحقيق الدكتور زكي مبارك، ط. ٤: ١٩٧٢م، دار الجيل، بيروت ـ لبنان.
- السبعة في القراءات لأبي بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد البغدادي، تحقيق الدكتور شوقي ضيف، نشر دار المعارف، ط. ٢: ١٤٠٠هـ/١٩٨٠م، القاهرة.
- سراج القارئ (شرح الشاطبية) لأبي البقاء علي بن عثمان بن القاصح العذري، طبعة دار التوفيق الأدبية بمصر: ١٣٤١هـ ـ القاهرة، وطبعة دار الفكر: ط. ٤: ١٣٩٨هـ.
- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس لجعفر بن محمد الكتاني الفاسي (طبعة حجرية).
- شجرة النور الزكية في طبقات السادة المالكية لمحمد بن محمد بن مخلوف التونسي، نشر دار الكتاب العربي ـ لبنان.
- شرح مقامات الحريري لأبي العباس أحمد بن عبد المومن القيسي الشريشي الأندلسي، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط. ١: ١٣٩٩هـ/١٩٧٩م.
- شرح طيبة النشر في القراءات العشر لأبي الخير ابن الجزري، لولده أحمد بن محمد بن محمد بن الجزري، نشر مطبعة البابي الحلبي بتصحيح الشيخ علي محمد الضباع.
- شرح محمد بن عبد الملك المنتوري على الدرر اللوامع في أصل مقرإ الإمام نافع، مخطوط الخزانة العامة بالرباط، تحت عدد: ٥١٨.


الصفحة التالية
Icon