كما اختص أهل هذا الشأن بالدخول عليه، وحجب غيرهم "فلم يكن له في الشعراء رأي ولا أرب وإنما كان رأيه وبطانته القراء والفقهاء، ومن وسم عنده بورع"(١).
وقد عبر عن هذا شاعر العصر يومئذ جرير بن عطية ـ شاعر بني أمية (ت١١٠) حين وفد عليه في أول خلافته مهنئا في زمرة من وفد عليه من الشعراء والكبراء، على العادة الجارية في تهنئة الخلفاء وانتجاعهم طلبا للجوائز والصلات، فإذا بعمر يأذن لمن جاءه من الفقهاء والقراء، ولا يأذن للشعراء، فكان جرير فيمن أطال المقام ببابه دون أن يأذن له بالدخل، فلما جاء عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ـ أحد أجلة العلماء ـ أذن له في حينه، فتعلق به جرير وقال:
يا أيها القارئ المرخي عمامته(٢) | هذا زمانك إني قد مضى زمني(٣) |
فقال له عون: من أنت؟ فقال: جرير قال: انه لا يحل لك عرضي، قال: فاذكرني للخليفة، قال: إن رأيت موضعا فعلت. ثم قال: هذا جرير بالباب، فأحرز لي عرضي منه، فأذن لجرير فدخل عليه، فقال:
لجت أمامة في أمري وما علمت عرض اليمامة روحاتي ولا بكري... الأبيات(٥)
ثم ذكر أن عمر ترقرقت عيناه تأثرا مما سمع من شكواه، ثم سأله أهو من المهاجرين أم الأنصار أم ممن يجاهد ويقاتل على الفيء؟ وفي كل ذلك يقول جرير: لا، فقال: فلا أرى لك في شيء من هذا الفيء حقا، ثم أعطاه عشرين دينارا فضلت من عطائه، فخرج على الشعراء يقول: ليلحق الرجل منكم بمطيته:
(١) - المصدر نفسه ١٩٦.
(٢) - في سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز ١٩٨ رواية أخرى بلفظ "يأيها القارئ المزجي مطيته".
(٣) - وورد أيضا منسوبا للفرزدق ببعض التغيير في اللفظ – سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز ٩٣.
(٤) - المصدر نفسه ١٩٦.
(٥) - تبلغ أبياتها اثني عشرة بيتا يمكن الرجوع إليها في الأغاني ٧/٥٧-٥٨.
(٢) - في سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز ١٩٨ رواية أخرى بلفظ "يأيها القارئ المزجي مطيته".
(٣) - وورد أيضا منسوبا للفرزدق ببعض التغيير في اللفظ – سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز ٩٣.
(٤) - المصدر نفسه ١٩٦.
(٥) - تبلغ أبياتها اثني عشرة بيتا يمكن الرجوع إليها في الأغاني ٧/٥٧-٥٨.
وقد ألف في ذلك أيضا تلميذه أبو عبد الله محمد بن محمد القيجاطي كتابين سيأتي ذكرهما في آثاره عن قريب.
٨- محمد بن أحمد بن جابر الهواري أبو عبد الله الأندلسي المرسي الضرير النحوي الأديب
قال ابن الجزري: "شيخنا، إمام بارع، خرج من الأندلس حاجا سنة ٧٣٨ بعد أن قرأ بها على علي بن عمر القيجاطي، فقدم مصر، وأخذ عن أبي حيان شيئا يسيرا ثم قدم دمشق وسمع بها الكثير مع صاحبه: أحمد بن يوسف بن مالك(١)، ثم توجها إلى بعلبك فسمعا الشاطبية من فاطمة بنت اليونيني(٢) بإجازتها من الكمال الضرير، ثم أقاما بحلب، وكان بينهما من الاتفاق ما يتعجب منه، وحجا مرات، قرأت عليهما قصيد القيجاطي عنه والتيسير وغير ذلك في أوائل سنة ٧٧١ عند قدومهما من الحج، ومات نحو سنة ثمانين فيما أحسب بحلب"(٣).
وقد ذكر أبو العباس القسطلاني للقارئين الصديقين إنتاجا علميا مشتركا أيضا، فقد نظم ابن جابر الهواري قصيدة في الظاء والضاد مطلعها:
"حمد الاله أجل ما يتكلم | بدءا به فله الثناء الأعظم |
٩- محمد بن أحمد بن فتوح بن شقرال اللخمي يعرف بالطرسوني ويكنى أبا عبد الله.
ذكره في الإحاطة وقال:" أخذ القراءات عن الشيخ الأستاذ أبي الحسن بن أبي العيش وبه تفقه ببلده المرية وقرأ على الأستاذ أبي جعفر بن الزبير والخطيب أبي جعفر بن الزيات والراوية أبي الحسن بن مسمغور والولي أبي عبد الله الطنجاني وصهره الخطيب أبي تمام غالب بن حسين بن سيد بونة والخطيب أبي الحسن القيجاطي والخطيب المحدث أبي عبد الله بن رشيد، توفي عام ٧٣٠"(٥).
(١) - تقدم في أصحاب القيجاطي.
(٢) - كذا وقد تقدم ذكرها بلفظ بنت اليونيني.
(٣) - غاية النهاية ٢/٦٠ ترجمة ٢٧١٤.
(٤) - لطائف الإشارات ١/٢٣٦ـ٢٣٧.
(٥) - الإحاطة لأبن الخطيب ٣/٢٣-٢٥.
(٢) - كذا وقد تقدم ذكرها بلفظ بنت اليونيني.
(٣) - غاية النهاية ٢/٦٠ ترجمة ٢٧١٤.
(٤) - لطائف الإشارات ١/٢٣٦ـ٢٣٧.
(٥) - الإحاطة لأبن الخطيب ٣/٢٣-٢٥.