ويذكر المؤرخون أن الحجاج قد تمادى في تعقب المصاحف المخالفة لمصحف عثمان، لا في الكوفة وحدها قاعدة امارته، بل في كل مكان له عليه سلطان، ومن ذلك أنه أنشأ في البصرة لجنة خاصة من القراء، لمتابعة هذه القضية "فوكل عاصما الجحدري(١)وناجية بن رمح وعلي بن أصمع ـ عم أبي الأصمعي ـ(٢)، بتتبع المصاحف، وأمرهم أن يقطعوا كل مصحف وجدوه مخالفا لمصحف عثمان ـ رضي الله عنه وأن يعطوا صاحبه ستين درهما"(٣).
ومهما تكن نية الحجاج والحوافز التي بعثته على عمله هذا، فإن المستقبل قد كشف عن سداد موقفه من المصاحف المخالفة، ووافقه على ذلك جمهور العلماء، يقول الإمام أبو بكر الباقلاني في تقويم موقفه هذا:
"وقد أصاب الحجاج، وتوعد من يقرأ بما ينسب إلى عبد الله مما لم يثبت ولم تقم به حجة، فيعترض به على مصحف عثمان الذي ثبت عليه الإجماع"(٤).
القراءة المعتبرة والقراءة الشاذة، وظهور اختيارات الأئمة
وهكذا وبفعل الجهود الرسمية وغيرها كان لا بد أن تتغلب القراءة الجماعية، وأن تحظى بالنصيب الأوفر من القراء في عامة الأمصار، وأن يتقلص حجم القراءات المخالفة إلى أن تتوارى في نطاق ضيق جدا، حتى لا يقرأ بها إلا طبقة خاصة لها ولوعع بالغرائب، أو تروى على أنها "قراءات شاذة" يستعان بها في التفسير ويستشهد بها علماء النحو واللغة.

(١) - هو أبو المجشر البصري قرأ على الحسن ونصر بن عاصم توفي سنة ١٢٨. ترجمته في طبقات ابن سعد ٧/٢٣٥ وغياية النهاية ١/٣٤٩ ترجمة ١٤٩٨.
(٢) - كذا عند ابن قتيبة، وفي كتاب مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي ١٠٥ انه جد أبي الأصمعي.
(٣) - تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ٣٧.
(٤) - نكت الانتصار للباقلاني ٣٨٢-٣٨٣ – وينظر رأي أبي حيان فيما ينسب إلى ابن مسعود من الحروف في البحر المحيط ١/١٦١.

-ومنهم الشيخ الأستاذ المقرئ أبو مروان(١) عبد الملك بن موسى بن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري الشريشي، أجاز لي جميع ما تحمله عن شيوخه.
-ومنهم الشيخ الأستاذ العالم العلم إمام النحاة وقدوة الفراض أبو الحسين عبيد الله بن أحمد(٢) ابن أبي الربيع أجاز له جميع ما تحمله عن شيوخه(٣).
ومن هذه الإجازة تعرفنا على أهم أساتذة أبي عمران بن حدادة في القراءات وعلوم الرواية، وهم ـ كما تقدم فيها:
١- أبو عبد الله بن القصاب وبه بدأ.
٢- أبو إسحاق الغافقي نزيل سبتة.
٣- أبو الحسن بن سليمان نزيل فاس وشيخ الجماعة بها كما سيأتي.
٤- أبو القاسم محمد بن عبد الرحيم بن الطيب نزيل سبتة.
٥- أبو مروان الشريسي.
٦- أبو الحسين بن أبي الربيع الإشبيلي نزيل سبتة، وكلهم أئمة كبار مشهورون بالتقدم في القراءة والعربية.
٧- ومن أساتذته أيضا أبو جعفر بن الزبير (ت ٧٠٨)، وقد اسند الشيخ ابن غازي "حرز الأماني" بالسند إليه عن ابن الزبير المذكور عن ابن شجاع الضرير(٤) عن الناظم أبي القاسم الشاطبي(٥).
وهذا يدل على أنه تنقل في الأمصار المغربية والأندلسية فأخذ عن كبار المتصدرين في عصره، واستوعب الطرق المقروء بها للسبعة، كما روى المتون المعتمدة في القراءة كالحرز وغيره.
صلته بابن القصاب:
(١) - في الإجازة أبي عمران بن عبد.. و"الصواب ما أثبتناه من فرسه السراج، وسيأتي التعريف به في شيوخ ابن واش.
(٢) -في المخطوطة أبو الحسن علي بن عبد الله، والصحيح ما أثبتناه، وقد عرفنا به في المبرزين من المشيخة بسبتة.
(٣) -اجازة محمد بن محمد البوعناني لأبي عبد الله محمد الشرقي (م خ ح رقم ٩٩٧٧) وتاريخها أواخر رجب عام ١٠٣٨.
(٤) - هو صهر الشاطبي وهو علي بن شجاع. تقدم في أصحب الشاطبي. (٧) فهرسه ابن غازي ٣٩..
(٥) - فهرسه ابن الغازي ٣٩.


الصفحة التالية
Icon