فمثل هذا الزلل في اللسان خاف مالك على شيخه، لأنه أولا يشينه عند العلماء بالقراءة "فتسير به الركبان فيسقط"، وفي ذلك ما فيه من التزهيد في الشيخ بعد ذلك وفي الأخذ عنه، ولما فيه ثانيا من إمكان تلقي غير العارفين به بالقبول "فيقتدي به الناس فيه"، وفي كلا الأمرين محذور ومحظور يربأ مالك بالشيخ أن يعرض نفسه لهما، ولو في مقابل هذا الإغراء المادي الذي ربما كان في أمس الحاجة إليه، ولا أدل من هذا العرض وتلك الاستشارة وهذا التحليل السليم للموقف من طرف الإمام مالك، على مقدار ما أحرزه نافع من التقدير والتبجيل والرعاية المنقطعة النظير عند الخواص والعوام، ولكن لا عجب بعد الجهاد والجهد الطويل الذي بذله هذا الإمام في العكوف على كتاب الله، وتلقين قراءته السنية للأجيال من أطراف البلاد الإسلامية، أن يحظى بهذا التشريف والتكريم، وأن ينال كل هذا التوقير والتعظيم.
وفاته:
والآن وقد أوفى على الغاية، وأشرف على الأمد، فلم يبق إلا أن يحط الرحال، وأن يسلم الروح إلى بارئها بعد هذه الرحلة الميمونة الطويلة، فيتلمس منه ابناه(١)ما قد يجود به لأهله من وصاياه الأبوية يروي محمد بن اسحاق المسيبي عن أبيه قال: "لما حضرت الوفاة نافعا قال له ابناه أوصنا، قال:
"فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مومنين"(٢).
وكانت وفاته في قول ابن مجاهد سنة ١٦٩ هـ(٣)وقد أسند الخبر بذلك عن إسحاق المسيبي.
وقال ابن الباذش: توفي بالمدينة سنة ١٦٩ في خلافة الهادي، قاله اسحاق المسيبي وغيره، وقيل سنة ١٥٩ في خلافة المهدي، وقيل غير ذلك، والأصح ما بدأت به"(٤).
والأقوال الأخرى التي ذكرت في تاريخ وفاته ساقها ابن الجزري مبتدئا بالأرجح فقال:
(٢) - السعة ٦٣ والمصادر نفسها.
(٣) - السبعة ٦٣
(٤) - الإقناع ١/٥٦.
"وقال صاحب "كشف الغمام عن مرسوم خط الإمام"(١): وأما الفصل الثاني وهو ما ينقل إليه؟ فما ينقل: حركة الهمزة، وما ينقل إليه: الساكن بشروطه المتقدمة، وسواء كان الساكن ثابت الصورة نحو ما مثلنا به، أو كان محذوف الصورة، نحو التنوين من "رحيم ـ اشففتم" واختلاق. أ أنزل وعجيب أ إذا" وعجبا أن أوحينا"، والميم في ألم أحسب الناس، على أن الميم الموجودة هي الميم الأولى، وما أشبه ذلك.
وما يزال هذا الكتاب ينتظر من يفك عنه أسر الرفوف، ويقدمه محققا إلى القراء لتعميم الاستفادة منه، وذلك متأت وممكن لتعدد نسخه في الخزائن وإمكان استكمال ما في بعضها من نقص من النسخ الباقية(٢).
٤٧- إعانة الصبيان على عمدة البيان لسعيد بن سليمان بن داود الجزولي الكرامي السملالي الآنف الذكر في شراح قسم الرسم من المورد، وشرحه شرح صغير مبسط أشبه بالتقاييد، ويسمى في بعض الفهارس "تقريب معنى الضبط"(٣)، ويقع الشرح في نحو خمس وعشرين ورقة، ويكتفي فيه بنثر معاني الأبيات دون زيادة في الغالب إلا أنه ينقل من حين لآخر أبياتا من أرجوزة "الدرة الجلية" في الرسم لميمون الفخار. وأوله قوله:
الحمد لله الذي خلق الخلق وقدر أرزاقهم، وفضل من شاء منهم بكتابه... أما بعد فهاأنا أشرح ألفاظ "عمدة البيان" بكلام مختصر، وسميت هذا الشرح ب "إعانة الصبيان على عمدة البيان" ثم قال:
"هذا تمام نظم رسم الخط | وهاأنا أتبعه بالضبط |
(٢) - من نسخة م خ ح برقم ٢١٤٢.
(٣) - ينظر مثلا فهرسه خزانة القرويين ٣/١٦٠ برقم ١٠٥٣"، ودليل مخطوطات دار الكتب الناصرية بنمكروت لمحمد المنوني ١٨٥ رقم مجموع ٢٧٤٦.