ونفتح الآن نافذة أخرى على ما نعتبره آخر المدارس المغربية المختصة في قراءة نافع في هذا الطور الذي اعتبرناه آخر الأطوار الثلاثة التي تمثل عهد ازدهار هذه القراءة في المغرب بعد أن مررنا بالقارئ على عصر الرواد في فترة التأسيس عند أبي عبد الله بن القصاب ورجال مدرسته، ثم مررنا به وتوقفنا كثيرا عند رجال عصر التأصيل وهو عصر أبي الحسن بن سليمان وأبي الحسن بن بري ثم رجال مدرستيهما كما تبلورتا في سلسلة الذهب التي تنتظم في نسق واحد أبا عبد الله الصفار وأبا عبد الله القيسي وأبا وكيل مولى الفخار وأبا زيد الجادري، وقد اعتبرنا هؤلاء يمثلون الطور الثاني من الأطوار الثلاثة لما لاحظناه من التكامل بين هؤلاء الأعلام وأخذ بعضهم عن بعض.
ولقد حدث في مسار تطور مدارس الاقراء في أواخر هذا الطور بعد موت أعلام مدرسة أبي عبد الله القيسي – ما رأيناهم- ركود ملحوظ كاد أن يكون توقفا كاملا وغير مألوف في نشاط هذه المدارس وعطائها مما شكل عندنا حدا فاصلا بين الطورين الثاني والثالث، بحيث نفتقد في العقود الوسطى من المائة التاسعة أي بارقة يمكن الاعتداد بها في هذا المجال.
ثم تداركت العناية الإلهية عن كثب ما كان قد تبقى من آثار الدفقة العلمية عن الطور السابق بظهور علم من أعلام هذا الشأن عمل بقوة على مقاومة عوامل هذا التدهور في عاصمة البلاد، وحاول الدفع بتراث المدرسة المغربية بصورة عملية، في انتظار أن ينحسر عنها غبش الركود والجمود، ذلك هو واضع أساس هذه المدرسة التي اعتبرناها "خاتمة المدارس المختصة في قراءة نافع في عصر النضج" الإمام الحافظ أبو عبد الله الصغير النيجي شيخ أبي عبد الله بن غازي رأس المدرسة ويعسوبها.


الصفحة التالية
Icon