المبحث الثالث: الأثر الخلقي والمسلكي.
للخلق والمسلك الحسن أهمية كبرى في حياة أي مجتمع من المجتمعات. وقد أوضح كتاب الله تعالى الأخلاق والمسالك الحميدة التي ينبغي أن يكون عليها المسلم، سواء في ألفاظه، أو أعماله، أو تصرفاته، أو طباعه، أو معاملته مع الآخرين.
ولا ريب أن حالة المجتمعات قبل الإسلام حالة يرثى لها في التدني الخلقي، والانحراف المسلكي، والانحطاط الإجتماعي، وهو ما يوضحه قول جعفر بن أبي طالب ؟ للنجاشي ملك الحبشة حينما سأله عن الدين الذي من أجله فارقوا قومهم وأهليهم. فقال له جعفر: أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القويّ مِنَّا الضّعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرَّحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام.. (١).
والحقيقة أن أخلاق القرآن العالية، ومسالكه الرفيعة تجل عن الوصف، فما من خلق كريم إلا ودل القرآن عليه، وما من مسلك جميل إلا وأرشد القرآن إليه.
ومن هنا كانت المنظومة الإجتماعية القوية التي أرسى دعائمها القرآن الكريم، وأحاطها بسياج من الخلق والأدب الرفيع، والتعامل الذي لا يوجد له مثيل.