أما النقط الدال على ذوات الحروف فقيل إنه من وضع واضع الحروف الغربية فكان من أول الأمر موجوداً في نفسه ومعروفاً عند العرب. وقيل إن الحروف العربية كانت خالية من النقط وإن العرب كانوا في غنى عنه لأن الكاتب منهم فليل. والاشتباه الذي يزول بالنقط كان يزول عندهم بشدة الذكاء. ولما كثر التصحيف وانتشر بالعراق في أيام الحج أمر كتابه بوضعه، واستبدل للأول بأثر أسنده المرزباني إلى عبيد الغساني ولكنه لم يصح، واستدل للثاني بما رواه الداني في كتاب العدد بإسناده إلى الأوزاعي عن يحيى ابن كثير قال: كان القرآن مجرداً في المصاحف فأول ما أحدثوا فيه النقط على الباء والتاء والثاء وقالوا: لا بأس به هو نور له. ثم أحدثوا فيه نقطا عند منتهى الآى، ثم أحدثوا فيه الفواتح والخواتم اهـ. وبما ذكره ابن خلكان في ترجمة الحجاج مما حكماه أبو أحمد العسكري في كتاب التصحيف: إن الناس عبروا يقرؤون في مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه نيفاً وأربعين سنة إلى أيام عبد الملك مروان ثم كثر التصحيف وانتشر في العراق ففزع الحجاج ابن يوسف إلى كتابه فسألهم أن يضعوا علامات لهذه الحروف المتشبهة فيقال إن نصر بن عاصم قام بذلك فوضع النقط أفلااداً وزواجاً وخالف بين أما كتها فعير الناس بذلك لا يكتبون إلا منقوطاً اهـ. ولم أقف على نص صريح في تعيين أول من نقط المصاحف هذا النقط. وما ذكره السيوطي في الزهر من أن أول من نقط المصحف أبو أسود الدؤلي. فالمراد به النقط بمعنى الشكل لما سيأتي.
وقد شاهدت كتبا كتبت في العصور الوسطى ولم تنقط من كلماتها شئ أو إلا قليلاً اتكالاً القارئ، والظاهر أن ذلك كان فاشياً في تلك الأزمنة وكان النقط لم يلتزم إلا في الأزمنة المتأخرة، وشاهدت أيضا قطعا قديمة من صحائف القرآن الكريم بعضها لم يكن به نقط ألبته، وبعضها فيه نقط الاعجام على الحروف التي لم يختلف فيها القراء دون ما اخلفوا فيه، وبعضها فيه شئ من النقطين معا.


الصفحة التالية
Icon