وحياً إلهياً وكتاباً منزلاً من عند الله بل باعتباره نصاً تاريخياً من صنع بشر، ومن تأليف محمد صلى الله عليه وسلم، فمنهج النقد الأعلى والأدنى إن صح تطبيقه في دراسة العهدين القديم والحديث مما يسمى الكتاب المقدس، بل وفي سائر النصوص التاريخية التي هي نصوص بشرية، فلا يصح تطبيق معاييره على نص ينتمي إلى مجال آخر وميدان مختلف غير المجال البشري المحدود. ومن هنا يتبين لنا فساد المنهج الذي يطبقه المستشرقون في دراساتهم القرآنية من حيث المبدأ.
ولا يمكننا - بطبيعة الحال - أن ننتظر من المستشرقين خلاف ذلك لأنهم إن سلموا بأنه منزل من عند الله لوجب عليهم التصديق به والإذعان له، ولزمهم اتباعه، ولأنهم لن يفعلوا وتأبى قلوبهم فكان لابد لهم من الحكم سلفاً بأن مصدر القرآن بشرى لكي يطبقوا عليه منهجاً يصلح للتطبيق على النصوص البشرية.
وفي هذا العار كل العار للعلم والمعرفة، لأن مقتضى النظر العلمي ألا يدخل الإنسان على الموضوع بفكرة سابقة وإلا فسد مخرجه بفساد مدخله، وفسدت نتائجه بفساد مقدماته وهو آفة العلم الكبرى التي لا علاج لها.
لقد ناسب هذا المنهج حالتهم وراقهم لأن من شأنه أن يعفيهم من الحرج - أمام مواطنيهم من الغربيين على الأقل، ويحقق لهم - باسم العلم والموضوعية - أغراضهم في الطعن على الإسلام ورسوله، والتنفيس عن هذا العداء للإسلام والحقد على رسوله مما ورثوه ورضعوه منذ طفولتهم وسيطر، على عقولهم وتسبب في عمى بصيرتهم.