لليهود والنصرانية، وقد سبق لنا أن رددنا على هذا الزعم (١)، غير أنا نضيف أن الكاتب بحرصه على إبراز هذه المقولة يريد التعمية على قارئه فيسلب رسالة الإسلام واحدة من أهم خصائصها وهي أنها رسالة عالمية لكل الناس، ويجعلها خاصة بالعرب وحدهم.
(١) انظر ما سبق، ص ٣١ وما بعدها.
ثالثا: موقف القرآن من حرية الإدارة الإنسانية
...
ثالثاً: موقف القرآن من حرية الإرادة الإنسانية (١) :
من الأمور الحساسة التي تثير القارئ الغربي المعاصر مسألة الحرية الإنسانية. وقد نشأت هذه المسألة منذ عصر النهضة في أوربا كرد فعل للتصور الكنسي للدين الذي يحقر الإنسان من أجل تمجيد الله، ويحقر الحياة الدنيا من أجل الآخرة، ولا يرى الإنسان إلا خاطئاً منحرفاً، فلما تمردت أوربا على هذا التصور أخذوا في الغرب يمجدون الإنسان بدلاً من الله، ومن هنا نشأ ما يسمى بالنزعة الإنسانية.
ولما كان الإنسان المعاصر يقدس حرية الإرادة كان لابد من اختلاق بعض القضايا الناقضة لهذا المبدأ ونسبتها قسراً وبالفهم الخاطئ المعوج إلى القرآن الكريم، وإخفاء ما يتضمنه من حرية الاختيار والمسؤولية الفردية والجماعية حتى ينصرف عنه الناس. يقول الكاتب: قدر الإنسان هو في يد الله تماماً، حتى الإيمان والكفر معتمد على إراداته: ﴿مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ (الأنعام: ٧١)، فليست هناك حرية للإرادة، وليس للنبي أن يلام على الكفر، ففي التحليل النهائي الأمر لله في قضائه وقدره
(١) انظر: محمد قطب: المستشرقون والإسلام، ص ١٩٠.