موقفه من القراءات : كنت متريثًا في إصدار حكم طعن ابن جرير في القراءات، بل كنت متهيبًا في ذلك، وقلت في نفسي وهل من هو مثلي ينقد إمامًا من الأئمة، وعَلَمًا من أعلام التفسير مثل ابن جرير الطبري الذي ذاع وشاع صيته في الآفاق في علوم التفسير وعلم القراءات بالذات، ومما ساهم في حيرتي موقف العلماء المعاصرين، وأخص أستاذنا المرحوم محمد حسين الذهبي في كتابه " التفسير والمفسرون "، فقد ذكر عن الطبري موقفه من القراءات فقال :" كذلك نجد ابن جرير يعني بذكر القراءات وينزلها على المعاني المختلفة وكثيرًا ما يرد القراءات التي لا تعتمد على الأئمة الذين يعتبرون عنده وعند علماء القراءات حجة، والتي تقوم على أصول مضطربة مما يكون فيه تغيير وتبديل لكتاب الله، ثم يتبع ذلك برأيه في آخر الأمر مع توجيه رأيه بالأسباب، فمثلاً عند قوله تعالى : ولسُليمان الريح عاصفةَ )(الأنبياء/٨١) يذكر أن عامة قراء الأمصار قرأوا ( الريحَ ) بالنصب على أنها مفعول لسخرنا المحذوف، وأن عبد الرحمن الأعرج قرأ ( الريحُ ) بالرفع على أنها مبتدأ ثم يقول : والقراءة التي أستجيز القراءة بغيرها في ذلك ما عليه قراء الأمصار لإجماع الحجة من القراء عليه.
ولقد رجع السبب في عناية ابن جرير بالقراءات وتوجيهها، إلى أنه كان من علماء القراءات المشهورين، حتى أنهم ليقولون عنه إنه ألف فيها مؤلفًا خاصًا في ثمانية عشر مجلدًا، ذكر فيه جميع القراءات من المشهور والشواذ وعلل ذلك وشرحه، وإذا اختار منها قراءة لم يخرج بها عن المشهور، وإن كان هذا الكتاب فُقِدَ وضاع بمرور الزمن ولم يصل إلى أيدينا، شأن الكثير من مؤلفاته ( التفسير والمفسرون ).
فوصف الطبري لنفسه ومنهجه وارتضاء شيخنا الذهبي لموقفه دون تعليق قد ورط كثيرًا من الأوساط العلمية.
وبقيت هذه النظرية أو النظرة عن الطبري كذلك ولم يتناوله أحد بالتعليق.


الصفحة التالية
Icon