وقد أوجب الطبري القراءة في قوله :( يخدعون ) دون ( يخادعون ) مع أنهما قراءتان متواترتان يقول في ذلك :" فالواجب إذًا أن يكون الصحيح من القراءة ( وما يخدعون ) دون ( وما يخادعون ) ثم أخذ يوجه ما ذهب إليه مستدلاً على ذلك بأوجه من التأويل والتفسير المقبول عنده بما يفيده السياق من معانٍ جديرة بالاعتبار ".
يقول :" لأن لفظ المخادع غير موجب تثبيت خديعة على صحة، ولفظ خادع موجب تثبيت خديعة على صحة، ولا شك أن المنافق قد أوجب خديعة الله لنفسه بما ركب من خداعة ربه ورسوله والمؤمنين بنفاقه، فلذلك وجب الصحة لقراءة من قرأ ( وما يخدعون )، ومن الأدلة أيضًا على أن قراءة من قرأ ( وما يخدعون ) أولى بالصحة من قراءة من قرأ ( وما يخادعون ) أن الله جل ثناؤه قد أخبر عنهم أنهم يخادعون الله والمؤمنين في أول الآية فمحال أن ينفي عنهم ما قد أثبت أنهم قد فعلوه، لأن ذلك تضاد في المعنى، وذلك غير جائز من الله عز وجل ( تحقيق القراءة من النشر ص : ٢٠٧، وانظر تفسير الطبري١/٢٧٧).
يفهم مما سبق أن الإمام الطبري اعتمد في ترجيح قراءة متواترة على مثلها وجعل قوة القراءة لما تحمله من معنى وليس لقوة سندها المبني على النقل والسماع.
ثالثًا : موقفه من القراءات المخالفة للرسم القرآني :
لئن كان الطبري مخطئًا في طعنه في القراءات في القسمين الأولين فهو محق ومصيب في رفضه ورده لكل قراءة لا توافق الرسم القرآني.
ففي قوله تعالى :( صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يرجعون )(البقرة/١٨، وتفسيره ١/٣٣٠) يقول الطبري :" قرئ ( صمًا بكمًا عميًا ) أي بالرفع والنصب، والقراءة التي هي قراءة الرفع دون النصب، لأنه ليس لأحد خلاف رسوم مصاحف المسلمين، وإذا قرئ نصبًا كانت قراءة مخالفة لرسم مصاحفهم ".