٥- سورة الفلق تضمنت الاستعاذة من الشر الذي هو ظلم الغير له بالسحر والحسد وهو شر من خارج، وسورة الناس تضمنت الاستعاذة من الشر الذي هو سبب ظلم العبد نفسه وهو شر من داخل. فالشر الأول لا يدخل تحت التكليف ولا يطلب منه الكف عنه، لأنه ليس من كسبه. والشر الثاني في سورة الناس فيدخل تحت التكليف ويتعلق به النهي. فهذا شر المعائب والأول شر المصائب، والشر كله يرجع إلى العيوب والمصائب ولا ثالث لهما فانتظمتهما السورتان بأحسن لفظ و أوجز عبارة.
٦- الاستعاذة في سورة الفلق من المضار البدنية و تكون من الإنسان وغيره، جاءت الاستعاذة عامة، والاستعاذة في سورة الناس من الأضرار التي تعرض للنفوس البشرية وتخصها فجاءت الاستعاذة مخصصة من نوع واحد.
٧- واعلم أن هذه السورتين لطيفة : وهي أن المستعاذ به في السورة الأولى مذكور بصفة واحدة وهي أنه رب الفلق، والمستعاذ منه ثلاثة أنواع من الآفات، وهي الغاسق والنفاثات والحاسد، وأما في سورة الناس فالمستعاذ به مذكور بصفات ثلاثة: وهي الرب والملك والإله والمستعاذ منه آفة واحدة، وهي الوسوسة،
٨- يترتب على ما سبق أن الثناء يجب أن يتقدر بقدر المطلوب، فالمطلوب في سورة الفلق سلامة النفس والبدن، والمطلوب في السورة الثانية سلامة الدين، وهذا تنبيه على أن مضرة الدين وإن قلت: أعظم من مضار الدنيا وإن عظمت،
٩- فرق بين نفس الالتجاء الاعتصام وبين طلب ذلك، فلما كان المستعيذ هارباً ملتجئاً معتصماً بالله أتى بالفعل الدال على ذلك فقال ( أعوذ ) دون الفعل الدال على طلب ذلك، و لا ضير أن يأتي بالسين. فيقول : استعيذ بالله أي أطلب منه أن يعيذني، ولكن هذا معنى غير نفس الاعتصام والالتجاء الهرب إليه. فالأول مخبر عن حاله وعياذه بربه وخبره يتضمن سؤاله وطلبه أن يعيذه. والثاني : طالب سائل من ربه أن يعيذه كأنه يقول : أطلب منك أن تعيذني فحال الأول أكمل


الصفحة التالية
Icon