الثاني: لأنه أمر بالاستعاذة من شرهم، فأعلم بذكرهم أنه هو الذي يعيذ منهم. وإنما قال: "ملك الناس إله الناس" لأن في الناس ملوكا يذكر أنه ملكهم. وفي الناس من يعبد غيره، فذكر أنه إلههم ومعبودهم، وأنه الذي يجب أن يستعاذ به ويلجأ إليه، دون الملوك والعظماء فهو ربهم الحق و الملك الحق و الإله الواحد المستحق للعبادة وحده و ما دونه فهو مربوب لا يملك لنفسه ضراً و لا نفعا و لا موتاً و لا حياة و لا نشورا
٢٦- جاءت الاستعاذة برب الناس مضافاً إليهم خاصة لأن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس في صدور الناس فكأنه قيل : أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي تملك عليهم أمورهم وهو إلاههم ومعبودهم
٢٧- والآية من باب الترقِّي، وذلك أنَّ الرب قد يُطلق على كثير من الناس، فتقول: فلان رب الدار، وشبه ذلك، فبدأ به لاشتراك معناه، وأمَّا المَلك فلا يُوصف به إلاَّ آحاد من الناس، وهم الملوك، ولا شك أنهم أعلى من سائر الناس، فلذلك جيء به بعد الرب، وأمَّا الإله فهو أعلى من المَلك، ولذلك لا يَدَّعي الملوكُ أنهم آلهة، وإنما الإله واحد لا شريك له ولا نظير.
٢٨- في تكرير لفظ الناس أنه إنما تكررت هذه الصفات، لأن عطف البيان يحتاج إلى مزيد الإظهار، ولأن هذا التكرير يقتضي مزيد شرف الناس، لأنه سبحانه كأنه عرف ذاته بكونه ربا للناس، ملكا للناس، إلها للناس.
٢٩- في السورة الثانية بيان لشرف الناس و ذلك لأمور منها :
أولاً : أنه ختم كتابه بسورة الناس و هذا له دلالته و أسراره.
ثانياً : أن آخر كلمه عند ختم المصحف هي كلمة ( الناس ) و في هذا مزيد شرف و عناية.
ثالثاً : تكرر كلمة ( الناس ) خمس مرات في هذه السورة و هذا أيضاً له دلالاته
فدل ذلك بأن الناس أشرف مخلوقاته وإلا لما ختم كتابه بتعريف ذاته بكونه ربا وملكا وإلها لهم.