بداية تنفيذ المؤامرة
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [يوسف: ١١-١٢].
أما قوله تعالى: (يَرْتَعْ)، فمن أهل العلم من قال: يأكل، وذلك لما ورد عن ابن عباس: (أنه أتى على حمار أتان والنبي ﷺ في الصلاة، قال: فدخلت في الصف وأرسلت الأتان ترتع).
ومن العلماء من قال: إن كلمة (يرتع) معناها: يسعى، وثَم أقوال أخر، والمعنى متقارب.
﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾، فيعقوب ﷺ لم ينكر عليهم أصل اللعب للطفل الصغير يوسف صلى الله عليه وسلم، فأخذ من عدم إنكاره ما ذكرته عائشة رضي الله تعالى عنها إذ قالت: (اقدروا قدر الجارية صغيرة السن الحريصة على اللعب)، فالصغير له حق أن يُلاعب وأن يُداعب.
ورسولنا ﷺ ضرب لنا مثلاً حسناً في هذا، فكان يدخل على عائشة رضي الله تعالى عنها صويحباتها يلعبن بالبنات معها، وهي: العرائس الصغيرة التي صنعت من العهن، فيختفين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيسربهن النبي ﷺ إلى عائشة يلعبن معها.
قالوا: ﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾ [يوسف: ١٢-١٣]، فتعلل يعقوب عليه السلام بعلتين لمنع يوسف من الخروج معهم، العلة الأولى هي: ﴿إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ﴾، أي: يشق علي فراق ولدي يوسف صلى الله عليه وسلم، ولا أكاد أصبر على بعد ولدي هذه المدة، وشيء آخر: (وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ)، أي: منشغلون بجريكم وبصيدكم وبرعيكم.
﴿قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ * فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ﴾ [يوسف: ١٤-١٥]، أي: اتفقت كلمتهم على هذا، وما الحامل لهم على هذا الاتفاق؟ تقدم من قبل أنهم قالوا: ﴿لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾، فظهر أن الحامل لهم على هذا هو حسدهم ليوسف ولأخيه.


الصفحة التالية
Icon