بخس السيارة ليوسف وبيعه
﴿وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً﴾ [يوسف: ١٩]، أسروه: من الإسرار، والإسرار الكتمان، فمن الذين أسروه بضاعة؟ من أهل العلم من يقول: إن الذين أسروه بضاعة هم الوارد ومن معه، أي: أسروه عن سائر القافلة، وأخفوا عن سائر القافلة أنهم وجدوه في البئر، أي: كتموا أمره على أنه بضاعة وأنهم اشتروها وسيبيعونها، ولم يقولوا: إنا وجدناه في البئر، وهذا القول هو الأقرب إلى سياق الآيات الكريمات، والأقرب إلى ظواهرها.
فالذين أسروه بضاعة على هذا القول هم: الوارد ومن معه، أو الوارد ورفقته الخاصة دون سائر السيارة، فكأنهم أظهروا أنهم اشتروه وسيبيعونه، ولم يقولوا: إنا وجدناه في البئر، فمعنى الإسرار الكتمان.
وثَم قول آخر: أن الذين أسروه وكتموا أمره هم إخوته، وكيف ذلك؟ أورد بعض المفسرين -وليس ثَم دليل يشهد لذلك- أن أخا يوسف الكبير كان يتفقد أحواله يوماً بعد يوم؛ فيذهب إلى البئر فينظر إلى ماذا آل أمر أخيه يوسف، فلما وجد الوارد قد استخرجه أتى إليه سريعاً، وقال: هذا عبد لنا قد أبق، وأخفى أنه أخ له، وأخفى يوسف كذلك أنه أخوهم حتى لا يأخذوه ويقتلوه، فرضي بالبيع، ورضي أخوه بأن يبيعه.
قال تعالى: ﴿وَشَرَوْهُ﴾ [يوسف: ٢٠]، أي: باعوه، فـ (شرى) بمعنى باع.
﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ﴾ [يوسف: ٢٠]، أي: الذين وجدوه باعوه، أو أن إخوته باعوه، على تأويلين للعلماء، والمعدودة معناها هنا: القليلة التي تعد، ومنه قوله تعالى: ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ١٨٤]، أي: قليلات يأتي عليها العد.
﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ [يوسف: ٢٠]، وعلى هذا جوز بعض أهل العلم بيع السلعة النفيسة ذات القيمة الكبيرة بثمن قليل ما دام الرضا من البائع موجوداً ولا يوجد إكراه.
وفي مقابل ذلك: الغبن الفاحش، هل هو جائز أو غير جائز؟ الظاهر أن الغبن الفاحش ترد به السلعة؛ لأنه نوع من أنواع الغش، بمعنى إذا كان مثلاً كيلو العنب يباع بجنيه أو بجنيهين فأرسلت ولداً لك يشتريه، فباع له البائع كيلو العنب بمائة جنيه، فلك أن ترد على هذا البائع السلعة وأن تسترد مالك؛ لأن هذا نوع من الغبن الفاحش، والذي به السلعة كما قال الفقهاء، لكن هذه تختلف عن صورتنا في هذا المقام.


الصفحة التالية
Icon