صرف الله السوء والفحشاء عن يوسف
﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ﴾ [يوسف: ٢٤]، فالذي يصرف السوء هو الله.
والذي يصرف الفحشاء هو الله، والسوء كل ما يسيئ، والفحشاء كل ما يستفحش ويستقبح ويستنكر من عظيم الذنوب، والسوء والفحشاء هو الزنا ومقدمات الزنا.
السوء: المقدمات على رأي بعض العلماء، والفحشاء هي الفاحشة الكبرى، فطهره الله سبحانه وتعالى منها، ولم يقترف شيئاً من السيئات ولا من الفواحش، فهو نبي كريم بوصف نبينا محمد له: (الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم؛ يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم).
قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ﴾ [يوسف: ٢٤] ؛ فالذي يصرف السوء هو الله، فلنلتمس منه صرف السوء عنا، وعن ذرياتنا ونسائنا وإخواننا وأخواتنا، والمسلمين والمسلمات.
﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ [يوسف: ٢٤]، أي: لسابقة خير صدرت منه عليه السلام، وهو اجتهاده في مرضاة ربه.
﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ [يوسف: ٢٥]، وهذا من خير ما يدل على نزاهة يوسف وبراءته؛ إذ هو يجري وهي تتابعه، فهل أدل على براءته من أن يجري هارباً وهي تلاحقه كي يفعل معها الفاحشة؟ إنه نبي كريم، منزه مبرأ من الخطأ! (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ) : جرى صوب الباب كي يفتح ويهرب عليه الصلاة والسلام، فأدركته ﴿وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ﴾ [يوسف: ٢٥]، أي: قطعت قميصه من الخلف، وشاء الله وقدر: ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾ [يوسف: ٢٥]، أي: وجداه، حيث فتح الزوج الباب لأمر قدره الله وشاءه، وإذا بيوسف وامرأة العزيز بعد يوسف تطارده وتجري بعده.
فلما دخل زوجها إذا بها تلصق التهم بغيرها، تلصق التهمة بالبريء الكريم! فتقول مباشرة لزوجها ملصقة التهمة بيوسف عليه السلام: ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٢٥]، وهكذا معشر المسلمين تسجن العفة والطهارة معها، ويسجن البريء، لكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً؛ فتطالب بسجن يوسف أو بتعذيبه، ولم العذاب الأليم ولم يصنع يوسف عليه الصلاة والسلام شيئاً؟ ولكنه ابتلاء تلو ابتلاء، فليصبر الصابرون وليحتسب المحتسبون.
قال النبي ﷺ لـ عائشة في مرض موته: (مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت عائشة لـ حفصة: يا حفصة! قولي له: إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام مقامك لم يسمع الناس قراءته من البكاء! فمر عمر فليصل بالناس، فأعاد وأعادت عائشة وحفصة، وأعاد وأعادت عائشة وحفصة، فقال عليه الصلاة والسلام مشتداً: مروا أبا بكر فليصل بالناس فإنكن صواحب يوسف).
ويعني بذلك عليه الصلاة والسلام: أنهن يردن أمراً ويظهرن أمراً آخر، فـ عائشة تقول عن نفسها: (والله ما حملني على قولي: إن أبا بكر رجل أسيف إلا أني خشيت أن يأتي أبي بعد رسول الله يأمُّ الناس فينظر الناس من الذي جاء بعد رسول الله فيجدونه أبا بكر فيتشاءمون بـ أبي بكر، فأردت أن أبعد عن أبي هذا التشاؤم وليلصق هذا التشاؤم بغير أبي، فقلت لـ حفصة: قولي له مر عمر فليصل بالناس)، ليس رفضاً للإمامة ولكن رفضاً لتشاؤم الناس بـ أبي بكر بعد رسول الله.
فكان هذا نوعاً من الدهاء، ونوعاً من الكيد الذي يصدر من النساء، فليعلم كل سائسٍ للنساء أن كثيراً من النساء من ذوات الحيل يردن أمراً ويظهرن أمراً آخر، كما قالت حفصة لـ عائشة وكانتا في سفر، وكان رسول الله ﷺ في السفر يركب مع عائشة على جملها، فعماد القسم في السفر النزول، كما أن عماد القسم في الحضر الليل، فكان الرسول يسير مع عائشة على الجمل في السفر، فأرادت حفصة يوماً أن تركب هي مع الرسول، فقالت لـ عائشة مظهرة أمراً آخر: يا عائشة! ألا تركبين بعيري وأركب بعيرك تنظرين وأنظر، أي تنظرين في اتجاهي وأنا أنظر في اتجاهك؟ ولم تقل: إني أريد الرسول، قالت: بلى، فركبت عائشة مكان حفصة وحفصة مكان عائشة، فأتى الرسول إلى بعير عائشة فركب معها فإذا هي حفصة، فسار معها طول الطريق واستحيا أن ينزل، وعائشة تنتظر الرسول يأتيها فلا يأتيها، فحزنت حزناً شديداً، ونزلت تضع رجليها بين الإذخر، أي: بين الحشيش الذي في الأرض وتقول: يا رب سلط علي عقرباً تلدغني، نبيك وما أستطيع أن أقول له شيئاً، فانظر كيف احتالت حفصة هي الأخرى على عائشة رضي الله عنهن أجمعين.
والله تعالى أعلم.