تفسير قوله تعالى: (وجاءوا أباهم عشاء... ) الآيات
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ﴾ [يوسف: ١٦]، أي: جاء إخوة يوسف إلى أبيهم بعد أن فعلوا فعلتهم الشنيعة؛ من إلقاء أخيهم في غيابه الجب، ومن التفريق بين الوالد وولده، ومن عقوق الوالد المشاهد، ومن عدم رحمة الطفل الصغير؛ رجعوا إلى أبيهم عشاء يبكون، أي: يتباكون على الصحيح، فلم يكن بكاؤهم ببكاء، وكما قال الشاعر: إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى فكان بكاؤهم تباكياً وليس بكاء على الحقيقة، جاءوا متصنعين بهذا البكاء ملتمسين العذر عند أبيهم، وملتمسين العفو.
وكما هو معلوم فإن القرائن تقدّم على الدّعاوى والأقوال، فكل قول ليس مدعماً ببينات وقرائن فهو قول متحفظ عليه، وليس مجرد البكاء بنافٍ للتهم عن المتهمين، فثَم أقوام يبكون عن حقيقة، وثَم آخرون يتباكون، فدائماً القرائن والبينات تقدم على الدعاوى والأحوال المصطنعة المتصنعة.


الصفحة التالية
Icon