طلبهم إرسال بنيامين معهم للكيل
﴿فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [يوسف: ٦٣]، وكما هو معلوم: فالأنبياء عليهم السلام هم أذكى الخلق وأكمل الخلق علقاً، وأفهم الخلق، عليهم الصلاة والسلام، وما كان ينبغي لمؤمن أن يلدغ من جحر واحد مرتين، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين)، وأيضاً ورد أن الزهري استدان فذهب إلى بعض أمراء بني أمية لقضاء الدين عنه، كي يقضي الأمير الدَّين عن الزهري، فأعطاه الأمير المال، لكنه أتبعه بكلمة قال فيها: يا زهري! تعود تدان، كلمة توجع، فالمؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين.
فلما قال إخوة يوسف لأبيهم: (فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، لم يأخذ يعقوب عليه السلام بقولهم هذا سريعاً، بل تثبت وقال مذكراً: ﴿هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ﴾ [يوسف: ٦٤]، أي: أي أمن هذا الذي أتوقعه منكم؟! أهذا الأمن الذي وعدتموني به في شأن يوسف صلى الله عليه وسلم، ثم أضعتموه بعد ذلك؟ ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف: ٦٤]، فلستم أنتم الحفظة وإن وعدتم بذلك.
﴿وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي﴾ [يوسف: ٦٥]، أي: ماذا نطلب وماذا نريد بعد هذا الإحسان بإعطائنا غلالاً ورد ثمنها إلينا؟ ولا نريد البغي كذلك، وكل هذا محتمل، ﴿مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ﴾ [يوسف: ٦٥]، فهذا دليل على كرم هذا العزيز الذي على مصر، فهذه بضاعتنا ردت إلينا، (وَنَمِيرُ أَهْلَنَا) أي: نجلب لأهلنا الزاد، والميرة: هي الطعام والزاد، (وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ)، أي: الكيل الذي أتينا به كيل قليل، وقيل: إن كيل أخينا وهو البعير الزائد سهلٌ على الملك.


الصفحة التالية
Icon