مشروعية البعد عن أصحاب السوء
وقوله عليه الصلاة والسلام: (والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام) يفيد: مشروعية نفي أصحاب المعاصي، ومشروعية الابتعاد عن مجالسة أصحاب المعاصي، وعلى ذلك جملة أدلة من كتاب الله ومن سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام منها: أن البكر ينفى حتى لا يتذكر موقع المعصية؛ لأنه كلما مر بموقع المعصية تذكرها، ومن ذلك: قول النبي ﷺ مزهداً في جلساء السوء: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة -أو- نتنة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر)، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث قاتل التسعة والتسعين نفساً: إن هذا القاتل لما أتم المائة قال له العالم: (اترك أرضك فإنها أرض سوء، واذهب إلى أرض كذا وكذا فإن بها قوماً يعبدون الله فاعبد الله معهم).
الشاهد: أنه حثه على ترك أرض السوء والذهاب إلى أرض أهلها أهل صلاح.
وأيضاً قال تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ [النساء: ١٤٠] ﴿وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام: ٦٨]، والآيات في هذا الباب منها أيضاً: قوله تعالى: ﴿الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً﴾ [النور: ٣] ففي الآية حث على عدم مجالسة أصحاب المعاصي؛ لأنه مشركة أو إذا تزوج زانية تأثر بأخلاقها، ففي قوله: ﴿الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً﴾ [النور: ٣] دليل وإن لم يكن صريح فإنه ضمني في البعد عن أصحاب المعاصي وترك مجالستهم.
والخلاصة: أن كل ما سبق: فيه دليل على مشروعية البعد عن أصحاب المعاصي وترك مجالستهم إلا على وجه التذكير والنصح كما فعل النبي ﷺ لما مر بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين واليهود فجلس يذكرهم ويعظهم عليه الصلاة والسلام، والأدلة في هذا الباب متواترة وكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويلتحق بما تقدم من الآية: إيراد اعتراض بعض الملاحدة على آية الرجم، فيقول قائل الملاحدة: إن الإسلام فيه شدة وغلظة لما يأمر برجم الزناة.
فالإجابة على ذلك من واقعهم هم أنفسهم، فهم أنفسهم أطباء وهؤلاء الملاحدة أحياناً يستأصلون لمريض من مرضاهم كليته، وأحياناً يبترون لمريض من مرضاهم رجله أو يده، ولماذا يبترون الرجل أو اليد؟ ولماذا يستأصلون الكلية؟ يفعلون ذلك عندهم إبقاء على حياة المريض، فإذا كان هذا هو فعلهم ببعضهم، فبرجم الزاني يحصل إبقاء لعموم البشر، لأنه استئصال لعضو فاسد.
وما دام أن الآمر بالرجم هو الله -وهو الحكيم الحميد هو الخالق للعباد، وهو الذي يعلم ما يضرهم وما ينفعهم- فلا يسعنا إلا الامتثال لأمره.