قرائن يعرف بها زنا المرأة
والزنا يعرف في المرأة بقرائن ثلاث: إما الحبل، وإما الاعتراف، وإما الشهود.
وهذا قول أمير المؤمنين عمر، بيد أن كثيراً من العلماء قالوا: إن الحبل ليس قرينة لإقامة الحد على المرأة، فقد تكون المرأة أكرهت على الزنا، أو يكون فعل بها وهي نائمة، أو أعطيت مخدراً من المخدرات فأسكرها ففعل بها المحرم، فرأى فريق كبير من العلماء أن الحبل لا بد أن يصحبه الاعتراف، بينما اعتبر أمير المؤمنين أن الحبل قرينة.
والله أعلم.
وعلى كلٍ فهذا هو الرأي الآخر في الباب.
(الزانية والزانية فاجلدوا) قلنا: للجلد صفات مبسوطة في كتب الفقه.
(كل واحد منهما مائة جلدة) ولم يُقل: فاجلدوهما مائة جلدة؛ لأن قوله: فاجلدوهما قد يحتمل أنهما معاً يجلدان مائة جلدة فكل واحد منهما يتحمل خمسين، ففي مسائل الحدود يزال الغبش عن الأحكام وتتضح الأمور جلية.
قال تعالى: ﴿فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ [النور: ٢] أي: لا تأخذكم بهما رقة وشفقة فتتركون الحد، وليس المعنى أنكم تضربوهم ضرب الموت، فكما تقدم أن للضرب صفة، ولكن المعنى: ألا تأخذكم الشفقة بهما فتتركون الحد.
(وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) : أي: في حكم الله، فالمراد بالدين هنا: الحكم، وتقدم معنا أن من معاني: الجزاء ما ورد في قوله تعالى: ﴿أَئِنَّا لَمَدِينُونَ﴾ [الصافات: ٥٣] أي: لمجزيون.
لكن (الدين) هنا: الحكم، كما قال تعالى ﴿كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [يوسف: ٧٦] أي: في حكم الملك، أي: لا تأخذكم بهما رأفة في حكم الله وتسقطوا حكم الله عنهما لهذه الرأفة.
﴿إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ [النور: ٢].
في قوله (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) تهييج وإثارة للمؤمنين على إقامة الحدود.
كما يقول لك قائل: إن كنت مسلماً فتصدق، فتثبت أنك مسلم فتقوم إلى الصدقة، فكأن الذي لا يقوم بتنفيذ هذه الحدود مطعون في إيمانه بالله واليوم الآخر.
﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: ٢] قال بعض العلماء: الطائفة: ثلاثة فما فوقها، وقال فريق آخر الطائفة: المجموعة.
والله أعلم.
لكن لا بد من الشهود، (وليشهد) معناها هنا: وليحضر، فالشهادة لها معان: (شاهد ومشهود) مثلاً، الشاهد بمعنى: الحاضر المشاهد، والشاهد بمعنى: الشاهد الذي تثبت به الدعوى كالشاهد على المال، والشاهد على الدين، والشاهد على الحكم، فالشهادة لها معان، ومن معانيها: الحضور، قال تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ [الأنعام: ٧٣] أي: عالم الذي غاب والذي حضر، ومن معاني الشهادة: الشهادة على البيوع والشراء ونحو ذلك.
فقوله (وَلْيَشْهَدْ) أي: يحضر، (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) يعني: إقامة الحد لا تكون سراً إنما تكون على رؤية وعلى عين طائفة من المؤمنين.


الصفحة التالية
Icon