تفسير قوله تعالى: (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ.)
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق: ١] الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلماذا لم يقل: يا أيها النبي إذا طلقت النساء؟ للعلماء على هذا إجابات: الإجابة الأولى: أن الخطاب للنبي ﷺ على ثلاث أنحاء: الأول: فأحياناً يأتي الخطاب لرسول الله ﷺ ويكون المراد وحده، كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ﴾ [الأحزاب: ٥٠] إلى قوله: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأحزاب: ٥٠] أي: فهي خاصة بك لا يشاركك فيها أحد.
الثاني: أن يأتي الخطاب لرسول الله لكن ليس هو المراد منه قطعاً، كما قال الله سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: ٢٣]، فهذا الخطاب وإن كان موجهاً لرسول الله ﷺ لكن المراد منه الأمة، فأبو الرسول وأم الرسول قد ماتا وهو في الصغر.
الثالث: أن يأتي الخطاب لرسول الله ويراد هو وأمته صلى الله عليه وسلم، وهذا من هذا النوع.
هذه إحدى الإجابات على قوله تعالى: ﴿يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق: ١].
الإجابة الثانية: أن الآية من باب التحول في الخطاب، والتحول في الخطاب يكون لجذب انتباه السامعين، وله أمثله في كتاب الله كما قال الله سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ [يونس: ٢٢] فقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ﴾ [يونس: ٢٢] للمخاطب، ثم قال محولاً الخطاب إلى الغائب: ﴿وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ [يونس: ٢٢].
وكذلك في قوله تعالى: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً﴾ [الإنسان: ٢١-٢٢] تحول الخطاب من الغائب إلى المخاطب، فكذلك هو في قوله تعالى: ﴿يا أيها النَّبِيُّ﴾ [الطلاق: ١] ثم تحول الخطاب إلى أهل الإيمان، هذه إجابة ثانية.
والإجابة الثالثة: أن هنا مقدراً محذوفاً، فالمعنى: يا أيها النبي قل للمؤمنين: إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن.
المحذوف هو: قل للمؤمنين.


الصفحة التالية
Icon