طلب الآخرة مع طلب الرزق
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ امشوا وكلوا، ثم تذكر -يا عبد الله- الآخرة، يعني: امش في مناكبها، وكل من رزقه، ولا تنس أن هناك نشوراً، وهذا كالآية الأخرى: ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾ [سبأ: ١١]-يا داود! - ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ [سبأ: ١١] أي: اجعل المسمار على قدر الثقب، لا توسع المسمار فيكون غليظاً، ولا توسع الثقب فيحصل خلخلة، وبعد أن قال: (أن اعمل سابغات وقدر في السرد) قال: ﴿وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ [سبأ: ١١] فذكر بالعمل الصالح، وكما في قوله تعالى أيضاً: ﴿وَتَزَوَّدُوا﴾ [البقرة: ١٩٧] أي: أيها المسافرون! تزودوا في أسفاركم، واحملوا معكم الزاد والطعام، وهذه الآية نزلت في أهل اليمن: كانوا يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا أتوا إلى مكة مدوا أيديهم للناس! فقال الله في شأنهم: ﴿وَتَزَوَّدُوا﴾ ثم أشار إلى الزاد الأهم فقال: ﴿فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ [البقرة: ١٩٧] أي: تزودوا للدنيا ولا تتركوا التزود للآخرة، وكما في الآية الأخرى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ﴾ [الأعراف: ٢٦] وهو اللباس الذي عليكم، ﴿وَرِيشًا﴾ [الأعراف: ٢٦] تتجملون به، ثم أشار إلى اللباس الأفضل حتى لا ينسى: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٦]، وكما في الآية الأخرى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ﴾ [الشرح: ٧] أي: إذا فرغت من أعمال الدنيا فاجتهد في عبادة الله، فكل هذه أدلة تحثك على العمل للدنيا، والتزود أيضاً للآخرة، فهنا قال تعالى: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾ ثم أشار إلى الآخرة وإلى العمل لها وإلى التذكير بها في قوله تعالى: (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ).


الصفحة التالية
Icon