تفسير قوله تعالى: (لولا أن تداركه نعمة من ربه.)
﴿لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ [القلم: ٤٩]، لولا أن الله رحمهُ ﴿لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ [القلم: ٤٩]، فإن قال قائل: كيف يقال: ﴿لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ﴾ ؟ أليس يونس قد نبذ بالعراء؟ الإجابة: بلى قد نبذ يونس ﷺ بالعراء؛ لأن الله قال: ﴿فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ﴾ [الصافات: ١٤٥]، فإذاً: كيف يجاب على هذا الإشكال؟ ﴿لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾، فالإجابة: أنه نبذ بالعراء، لكنه نبذ بالعراء وهو غير مذموم، فقد تاب الله عليه، فحينئذٍ يندفع الإشكال، فيونس ﷺ نبذ بالعراء وهو سقيم أي: مريض، لكن وإن كان مريضاً في بدنه فقد غفر الله سبحانه وتعالى له ذنبه، كما قال تعالى: في كتابه الكريم: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٧-٨٨]، فهو قد نبذ بالعراء، لكن نبذ بعد أن تاب الله عز وجل عليه، ولم ينبذ وهو مذموم، ولولا رحمة الله لنبذ بالعراء وتبعه مع هذا النبذ المقت والذم، والله أعلم.