تفسير قوله تعالى: (فعصوا رسول ربهم.)
﴿فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ﴾ [الحاقة: ١٠] إن من عصى رسولاً فقد عصى الرسل جميعاً، ففرعون لما عصى موسى عليه الصلاة والسلام فيما يدعوه إليه من توحيد الله سبحانه، كان قد عصى المرسلين جميعاً؛ لأن النبي ﷺ قال: (إنا معشر الأنبياء إخوة لعلات، ديننا واحد، وأمهاتنا شتى) (ديننا واحد) وهو التوحيد، (وأمهاتنا) أي: شرئعنا، (شتى) أي: شرائعنا متعددة ومتنوعة، كما قال تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ [الأنعام: ١٤٦]، وكما قال تعالى: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ [آل عمران: ٩٣]، وكما قال تعالى في شأن نبينا محمد ﷺ مع أمته: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف: ١٥٧]، فالشرائع متعددة، لكن أصل الدين واحد وهو التوحيد، فمن كذب رسولاً في أصل الدين فقد كذب المرسلين جميعاً.
ومن هنا قال الله سبحانه: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: ١٢٣]، ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: ١٤١]، ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: ١٧٦] وهكذا.
فقوله تعالى: (فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ)، تنزل على كل فئة من الفئات المذكورة التي عصت رسول ربها، فيكون للإفراد وجهٌ حينئذٍ، أو يقال: إن من عصى رسولاً فقد عصى الرسل جميعاً، ولا إشكال حينئذٍ من الأفراد.
﴿فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً﴾، أي: عالية شديدة.
والرابي: هو العالي، قال تعالى: ﴿فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا﴾ [الرعد: ١٧]، وقال: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ﴾ [الروم: ٣٩]، أي: ليزداد ﴿فِي أَمْوَالِ النَّاسِ﴾ [الروم: ٣٩]، (إذا أنفق أحدكم صدقة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا الطيب- فإن الله يتقبلها بيمينه فيربيها)، أي: يزيدها.