إمهال الله للعصاة والكافرين
قال الله تعالى: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ﴾ [المعارج: ٤٠]، (لا)، من العلماء من يقول: إنها نفي لشيء متقدم، ثم بدأ إنشاءً جديداً فأقسم على ما ذكره برب المشارق والمغارب.
ومن أهل العلم من قال: إن (لا) هنا لنفي شيء متقدم وهو ظن الكفار أن يدخلوا جنة نعيم.
ومنهم من يقول: إنها زائدة مثل: ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ﴾ [الحديد: ٢٩] أي: ليعلم، ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٥] أي: يرجعون، ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ﴾ [الأعراف: ١٢] أي: ما منعك أن تسجد، من العلماء من يقول: إنها زائدة، ومنهم من يقول: إنها لتقوية الكلام.
قال تعالى: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ﴾ [المعارج: ٤٠] ورد في كتاب الله (رب المشارق والمغارب)، وورد (رب المشرقين ورب المغربين)، وورد (رب المشرق والمغرب)، فمن العلماء من يقول: كلها بمعنى واحد.
ومنهم من يفصل، فيقول: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾ [الشعراء: ٢٨] مشرق الشمس ومغربها، و ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ [الرحمن: ١٧] مشرق الشمس ومشرق القمر، ومغرب الشمس ومغرب القمر، و (رب المشارق ورب المغارب) رب مشارق النجوم ومغارب النجوم.
وقول آخر: أن المشارق هي التي تشرق منها الشمس كل يوم، فكل يوم تشرق من مكان غير اليوم الذي قبله، وتغرب في مكان أيضاً، وثم أقوال أخرى في هذا الباب.
قال تعالى: ﴿عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ [المعارج: ٤١] (عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ) فيها للعلماء قولان: قيل: في الحياة الدنيا، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٨]، وكما قال تعالى: ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ [الأنعام: ٨٩] ومن أهل العلم من قال: إن ذلك يوم القيامة، يبدل الله أقواماً خيراً من هؤلاء الأقوام.
قال تعالى: ﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا﴾ [المعارج: ٤٢] أمر مضمن بالتهديد.
﴿حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ * يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ﴾ [المعارج: ٤٢-٤٣] أي: القبور ﴿سِرَاعًا﴾ [المعارج: ٤٣] أي: مسرعين ﴿كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾ [المعارج: ٤٣] النصب: الذي يعبد أو يستذبح عنده الذبائح (يوفضون) : يسرعون.
قال تعالى: ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ [المعارج: ٤٤] أي: ذلت أبصارهم، كما قال: ﴿وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ﴾ [طه: ١٠٨] أي: سكنت الأصوات للرحمن، ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ﴾ [الغاشية: ٢] أي: ذليلة ساكنة.
قال: ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ﴾ [المعارج: ٤٤] أي: ذليلة أبصارهم، ﴿تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ [المعارج: ٤٤] تعلوها الذلة، ﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾ [المعارج: ٤٤] أجارنا الله وإياكم من عذابه.