تفسير قوله تعالى: (إنه فكر وقدر.)
قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ﴾ [المدثر: ١٨] متى فكر وقدر؟ قال جمهور المفسرين: إنه فكر وقدر يوم أن استمع إلى حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأعجب بهذا القرآن غاية الإعجاب، وأثنى عليه ثناءً حسناً، ثم رجع إلى المشركين، فقالوا له: ما تقول في الذي سمعت من محمد صلى الله عليه وسلم؟ هل هو شاعر؟ قال: أنا من أعلمكم بالشعر ما هو بقول شاعر، ولئن قلتم: إنه شاعر، فضحتكم العرب، قالوا: هو قول كاهن، قال: ليس بقول كاهن، أنا أعرف قول الكهنة، ليس هذا من أقوال الكهنة، قالوا: فماذا تقول؟ فحينئذ فكر وحاول يرتب ماذا يقول: ﴿فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾ [المدثر: ١٨-١٩]، أي: لعن، وقُتِلَ في القرآن في أغلب المواطن معناها: لعن.
﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾ [المدثر: ١٩-٢٠] أي: ثم لعن مرة ثانية لهذا التقدير الخاطئ.
﴿ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ﴾ [المدثر: ٢١-٢٢] أي: كلح بوجهه ﴿وَبَسَرَ﴾ [المدثر: ٢٢] : ظهر الضيق على وجهه وجبينه، ﴿فَقَالَ﴾ [المدثر: ٢٤] : اختار هذه المقولة، ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ [المدثر: ٢٤]، اختار من اختياراته وأقواله الباطلة هذا القول: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ [المدثر: ٢٤] أي: يؤثر عن الأوائل، أي: سحر مأثور ومأخوذ عن المتقدمين، ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ [المدثر: ٢٥]، أي: ما هذا إلا قول البشر، قال تعالى: ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ [المدثر: ٢٦]، وسقر: النار، ومن العلماء من قال: إنها بعض دركات النار.
﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ﴾ [المدثر: ٢٧]، لتعظيم وتهويل شأنها، وتفخيم أمرها، وبيان شدة هولها.
﴿لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ﴾ [المدثر: ٢٨]، لا تترك أحداً.
﴿لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ [المدثر: ٢٨-٣٠] المراد بهم: الخزنة، أي: خزنتها وحراسها تسعة عشر ملكاً.


الصفحة التالية
Icon