تفسير قوله تعالى: (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ.)
﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ [القيامة: ٢٩].
أهل العلم لهم أقوال في تفسير قوله تعالى: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ [القيامة: ٢٩] : القول الأول: أن الآية على ظاهرها، وأن ساق الميت اليمنى تلتف بساقه اليسرى عند الموت، وأنها أيضاً تجمع إلى ساقه اليسرى عند التكفين، فإنه تضم هذه إلى تلك.
هذا المعنى جار على تفسير الآية على ظاهرها، وقد قال به فئةٌ من السلف.
القول الثاني: (والْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) التقت الأهوال بالأهوال، فهو في هولٍ خروج الروح منه، وهول آخر وهو استقبال الملائكة السيئ الذي يستقبل به الكافر: ﴿أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأنعام: ٩٣].
فالقول الأول مبني على الظاهر، أي: ساق الميت اليمنى التفت على ساقه اليسرى عند الاحتضار، وكذلك ضمت إليها عند التكفين.
والقول الثاني: أن الشدة التقت بالشدة، سواء كانت شدة خروج الروح وشدة الاستقبال المزعج من الملائكة الذين يستقبلون الكافر، أو أي شدائد أخر.
﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾ [القيامة: ٣٠]، أي: المسير إلى الله سبحانه وتعالى في هذه اللحظات.
قال تعالى: ﴿فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى﴾ [القيامة: ٣١]، أي: لم نعهد منه صدقات ولا تصديقاً أيضاً، بمعنى: لا الإيمان ولا الصلاة، ﴿وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ [القيامة: ٣٢]، أي: كذب بالقرآن وأعرض عن الإيمان.
﴿ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى﴾ [القيامة: ٣٣]، أي: يختال ويفتخر.
﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى﴾ [القيامة: ٣٤-٣٥].
من العلماء من قال: (أولى) هنا بمعنى ويلٌ؛ أي: ويلٌ لك، فالويل لك، ثم الويل لك، فالويل لك.
ومنهم من قال معنى قوله: (أُوْلَى لَكَ)، أي: وليك العذاب، ثم أنت أولى به، ثم إن وليك العذاب، ثم أنت أولى به.
فعلى كلٍ هي نوع من أنواع التهديد الشديد.
﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ [القيامة: ٣٦]، أي: هملاً بلا حساب، فمعنى (أيحسب) : أيظن الإنسان أنه خلق هكذا عبثاً كما في قوله: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٥]، فالله ينفي عن نفسه هذا العبث، فيقول في آية أخرى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ١٦-١٧].
فالله يقول: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ﴾ [القيامة: ٣٦] أي: أيظن الإنسان الكافر، ﴿أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ [القيامة: ٣٦]، أي: هملاً بلا حساب.
قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى﴾ [القيامة: ٣٧]، أي: يراق ويسال، والمني هو المعروف، و (يمنى) أي: يراق.
قال تعالى: ﴿ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى﴾ [القيامة: ٣٨]، ﴿فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ [القيامة: ٣٩-٤٠].
إذا تليت هذه الآية ماذا نقول؟ هل نقول: بلى، وربي قادر.
ﷺ الأسانيد الواردة في هذا الباب أننا نقول: (بلى وربي قادر).
كلها لا يثبت منها شيءٌ عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي كل أسانيدها ضعف، لكن على العمل بها عند جمهور المفسرين، ولعل من أحسنها ما ورد عند تفسير قوله تعالى في سورة التين: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين: ٨]، أن يقال: (بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين).
وقد نقل محمد عطية سالم حفظه الله في تتمته لأضواء البيان إجماع المفسرين على أننا نقول: (بلى وأنا على ذلك من الشاهدين)، وإن كان الإسناد فيه رجلٌ يقال له: أبو مدينة، ومن الممكن أن يحسن حديثه، فهذا في سورة التين، ويجري أيضاً في سورة القيامة.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


الصفحة التالية
Icon