تفسير قوله تعالى: (لا أقسم بيوم القيامة.)
سورة القيامة يقول الله سبحانه وتعالى فيها: ﴿لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [القيامة: ١].
(لا) : لنفي شيء قد تقدم، فهو أقسم بيوم القيامة، فهذا كقوله: ﴿لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ [البلد: ١]، مع أن الله أقسم بالبلد.
وقد تقدمت مباحث ذلك باتساع في تفسير جزء عم.
فـ (لا) هنا نفي لشيء مستتر أو لشيء قد تقدم، فيقول الله سبحانه: ﴿لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ وقد أقسم به في موطن آخر فقال تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ﴾ [البروج: ١-٢]، فأقسم الله باليوم الموعود وهو يوم القيامة فالله عز وجل يقسم بعظيم مخلوقاته، فلا يقسم بالنمل، ولا بالصراصير، ولا بالنحل مع أنها كلها من مخلوقات الله.
قال تعالى: ﴿لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [القيامة: ١]، ويوم القيامة كما وصفه تعالى في قوله: ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا﴾ [المزمل: ١٧-١٨].
﴿وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ [القيامة: ٢]، فما المراد بالنفس اللوامة؟ لأهل العلم في تفسير النفس اللوامة أقوال: قال فريقٌ منهم: ما من نفس إلا وهي تلوم صاحبها، إن فعل خيراً تلومه يوم القيامة: لِمَ لَمْ تزدد من فعل هذا الخير؟ لم لَم تكثر من فعل هذا الخير؟ وإن عمل شراً لامته نفسه: لم عملت هذا الشر؟ فحملوا (اللوّامة) على أن وقت اللوم يكون يوم القيامة.
ومنهم من قال: إن اللوم هذا يكون في الدنيا، فما من نفس إلا وهي تلوم صاحبها، فنفس المؤمن تلومه إن فعل المعاصي: لم فعلت هذه المعصية؟ ونفس الكافر، تلومه: لِمَ لم تكثر من فعل المعاصي؟ فكل نفسٍ تلوم صاحبها على هذا المعنى.
والنفس لها درجات وأعمال ومراتب، ولها أقسام: كنفوس خيرة ونفوس شريرة، وقد قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ [الشمس: ٧-٩]، فهناك أنفس فيها فجور وأنفس فيها تقوى، وقال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: ٤٠-٤١].


الصفحة التالية
Icon