تفسير قوله تعالى: (عبس وتولى.)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.
وبعد: فبمشيئة الله تعالى نتناول تفسير سورة عبس، يقول الله سبحانه وتعالى فيها: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى﴾ [عبس: ١-٣].
من الذي عبس وتولى؟ وما معنى عبس؟ ولماذا عبس؟ الذي عبس وتولى هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لماذا عبس ولماذا تولى؟ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى﴾ [عبس: ٢] يعني: أن النبي ﷺ عبس وتولى لمجيء الأعمى، ومعنى (عبس) قطب وجهه وجبينه تكرهاً، أي: تكرهاً لمجيء الأعمى إليه.
للآية سبب نزول بمجموع الطرق، ولسياق آيات الكتاب العزيز يصح ألا وهو: أن عبد الله بن أم مكتوم الأعمى جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي ﷺ كان يدعو قوماً إلى الإسلام منهم كبراء قريش، وكان ﷺ منشغلاً في دعوتهم إلى الإسلام راغباً في هدايتهم إليه، فأقبل ابن أم مكتوم وهو يقول: أرشدني يا رسول الله! والنبي ﷺ مقبل على الحديث مع أئمة الكفر يدعوهم إلى الإسلام، وابن أم مكتوم يكرر: أرشدني يا رسول الله! والنبي ﷺ لا يلتفت إليه، ثم التفت إليه النبي ﷺ متضايقاً قاطباً وجهه، كارهاً لمقالته ولمجيئه، وقال ابن أم مكتوم: أترى بما أقول بأساً يا رسول الله؟! فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل قوله تعالى: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى﴾ [عبس: ١-٢] أي: أن الرسول ﷺ عبس وتولى لمجيء الأعمى.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ﴾ [عبس: ٣] أي: وما يعلمك يا محمد، ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى﴾ [عبس: ٣] أي: لعل هذا الأعمى يزكى، يعني: يتطهر من ذنوبه، فالتزكية تطلق على التطهير من الذنوب، ومنه قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: ١٠٣]، ومنه قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس: ٩-١٠].
قال سبحانه: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى﴾ [عبس: ٣]، من العلماء من فرق بين قوله: (وَمَا يُدْرِيكَ)، وقوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ﴾ [الحاقة: ٣]، فقالوا: إن قوله: (وَمَا يُدْرِيكَ) فلم يدره الله عز وجل، أما: (وَمَا أَدْرَاكَ) فإن الله أدراه، كما قال تعالى: ﴿الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ﴾ [الحاقة: ١-٣]، فأخبره الله بالحاقة وتفاصيل ما في الحاقة.
أما (وَمَا يُدْرِيكَ) كما في قوله: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾ [الشورى: ١٧]، فلم يدره بوقتها سبحانه وتعالى.


الصفحة التالية
Icon