تفسير قوله تعالى: (فمن شاء ذكره.)
قال سبحانه: ﴿وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى﴾ [عبس: ٨-٩] تتشاغل ﴿كَلَّا﴾ [عبس: ١١] ليس الأمر كما ذكرت ﴿إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ﴾ [عبس: ١١-١٢] ذكر ماذا؟ من العلماء من قال: ذكر القرآن، أو انتفع بالتذكرة ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ﴾ [عبس: ١٣-١٥].
(صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ) من العلماء من قال: هي اللوح المحفوظ: ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ﴾ [عبس: ١٣-١٤] ما هو وجه الربط بين قوله: ﴿وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى﴾ [عبس: ٨-٩] و ﴿أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى﴾ [عبس: ٥-٦]، وبين قوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ﴾ [عبس: ١١-١٣] ؟ وجه الربط كما قال بعض العلماء: فيه.
للنبي صلى الله عليه وسلم، فالمعنى: إذا أعرض هؤلاء المشركون يا محمد! عن القرآن وعن ما جئت به فهذا القرآن موجود بأيدي خلق كرام، وصفهم الله سبحانه وتعالى بأنهم سفرة كرام بررة، يعني: إن تولى هؤلاء الكفار عن القرآن فاعلم أن القرآن في اللوح المحفوظ مع ملائكة كرام مهطعين لله سبحانه وتعالى، يعني بمعنى: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٨] يعني: لا يحزنك إعراضهم وتوليهم عن هذا القرآن فإنه موجود بأيدي خلق هم أكرم منهم وهم السفرة الكرام البررة، هذا وجه الربط، والعلم عند الله سبحانه وتعالى.
﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ﴾ [عبس: ١٢-١٤] مطهرة من كل عيب ومن كل نقص ورذيلة، مطهرة من كل ما لا يليق بها، مطهرة من عبث الشيطان كما قال تعالى: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٢] على رأي من فسر الباطل بأنه الشيطان.
﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ﴾ [عبس: ١٣-١٥] والسفرة: الملائكة، ومن العلماء من قال: إن السفرة هم ملائكة مخصوصون؛ وهم القراء للقرآن، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الماهر في القرآن مع السفرة الكرام البررة) الحديث.
ومنهم من قال: إن السفرة هم الملائكة السفراء بين الله وبين خلقه، الذين يسفرون بين الله عز وجل وبين الأنبياء وبين سائر الخلائق، كما قال القائل: وما أدع السفارة بين قوم وما أمشي بغش إن مشيت (ما أدع السفارة بين قوم) السفارة: التنقل بين القوم للإصلاح، ومنه التسفير الذي يسفر الآن في الدول.
وما أدع السفارة بين قوم وما أمشي بغش إن مشيت فقال العلماء: إن السفرة هم الملائكة الذين يسفرون بين الله سبحانه وبين الرسل.
فالقرآن بأيدي هؤلاء السفرة: ﴿بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾ [عبس: ١٥-١٦] والبررة: هم المؤمنون، فالبر هو المطيع، وللأبرار معان أخرى تأتي في محلها إن شاء الله.


الصفحة التالية
Icon