تفسير قوله تعالى: (وما هو على الغيب بظنين.)
﴿وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ﴾ [التكوير: ٢٤] : كثير من المفسرين قالوا: إنه محمد عليه الصلاة والسلام.
وما هو (الغيب) ؟ قالوا: الغيب كل ما غاب عنا مما أمرنا أن نؤمن به، كالإيمان بالملائكة، والجنة والنار، وكل ما غاب عنا يدخل في عداد الغيب.
فالرسول ﷺ ليس ﴿عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ﴾.
ويُستنبط من هذه الآية فائدة للدعاة إلى الله، فنبينا محمد ما هو {عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) ومن العلماء من قال: (الضنين) : البخيل، يعني: الرسول عليه الصلاة والسلام ليس ببخيل في تبليغه العلم الذي أرسله الله سبحانه وتعالى به، وأنت -مثلاً- كداعي أمة يمكن أن تكون لك معلومة لا تريد أن تظهرها؛ لأنك إذا أظهرتها ستتساوى مع الناس في العلم بها، ولا يكون لك فضل عليهم، فتحب أن تسرها في نفسك ولا تتكلم بها إلا عند موقف تظهر فيه -عياذاً بالله- علمك لتري الناس أنك أفضلهم، أما الرسول فليس هكذا أبداً، فما هو على الغيب ببخيل، بل يخبر بكل ما جاءه عن الله سبحانه وتعالى، فجدير بكل حامل علم ألَّا يبخل بعلمه، ولا يضن بالعلم، فكما أنك تريد أن تصل إلى الجنة، فافتح لهم أبواب الخير التي توصلهم إلى الجنة.
فإذا سئلت: ما هو وجه الاستفادة الدعوية من قوله تعالى: ﴿وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ﴾ ؟ تقول: إنه ينبغي على الداعي إلى الله ألَّا يكون بخيلاً في تعليم الناس دينهم، وتعليم الناس ما ينفعهم، فنبينا محمد عليه الصلاة والسلام كان بهذه المثابة، ليس بضنين على الغيب.
والقول الآخر في قوله: ﴿بِضَنِينٍ﴾ أي: بمتهم، أي: أن النبي ﷺ ليس بمتهم بتزوير أو تحريف ما ينقله عن الله سبحانه وتعالى.
القول الأول وجهه من قولك: ضن فلان بالشيء، أي: بخل به، وضن فلان أن يعطيني كذا أي: بخل أن يعطيني كذا وكذا.
﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ﴾ [التكوير: ٢٥] : تنقُّل من ضمير إلى ضمير إلى ضمير، فالله سبحانه وتعالى ذكر جبريل بقوله: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾، ثم قال: ﴿وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ﴾ ﴿وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ﴾ ﴿وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ﴾، ثم قال: ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ﴾ انتقل الخطاب إلى القرآن، وهذه الانتقالات من العلماء من يسميها التلوين في الخطاب، أي: التغيير فيه، وهي تجذب نظر القارئ ونظر المتعلم ونظر المتدبر لكتاب الله سبحانه وتعالى.
قال الله جل ذكره: ﴿وَمَا هُوَ﴾ أي: وما القرآن، ﴿بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ﴾.
﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ [التكوير: ٢٦] : فكر يا مغفل! أنت يا جاهل! أين ذهب عقلك؟! ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ : بعقولكم؟! بعضهم يقول: ساحر، وبعضهم يقول: كاهن، وبعضهم يقول: ﴿أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ [الفرقان: ٥]، وبعضهم يقول: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ﴾ [الفرقان: ٤]، وبعضهم يقول: ﴿إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً﴾ [الإسراء: ٤٧].
عقولهم ناشفة!! ﴿انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً﴾ [الإسراء: ٤٨].
فرب العزة يقول: ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ : أي: أين تذهب بكم عقولكم عن هذا الكتاب؟


الصفحة التالية
Icon