تفسير قوله تعالى: (والسماء والطارق)
باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فيقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ﴾ [الطارق: ١].
أطلق على النجم أنه طارق؛ لأنه يطرق السماء ليلاً، وقد ورد في الباب حديث: (أعوذ بك من طوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمان!)، وقد يستدل مستدل بهذا الحديث على أن الطارق يطلق أيضاً على ما يطرق نهاراً، ولكن من العلماء من قال: إن إطلاق الطارق على الآتي نهاراً من باب المجاز، وفي قوله عليه الصلاة والسلام -عند من صحح الخبر-: (أعوذ بك من طوارق الليل والنهار) أطلق على طارق النهار اسم طارق من باب المجاز وهذا كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة)، فالمراد بالأذانين الأذان والإقامة، فأطلق على الإقامة أذاناً من باب التغليب، وكما تقول العرب: جاء العمران، ويقصدون: أبا بكر وعمر رضي الله عنه، وكما يقولون: أرأيت الشمسين؟ ويقصدون: الشمس والقمر.
فالطارق: أصله الذي يطرق ليلاً، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أطال أحدكم الغيبة، فلا يطرق أهله ليلاً يتخونهم يلتمس عثراتهم) ووصف النجم بأنه طارق؛ لأنه يطرق السماء ليلاً.
﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾ [الطارق: ١-٢]، من العلماء من قال: إن كل آية فيها: (وما أدراك) فقد أدراه الله سبحانه وتعالى -أي: محمد عليه الصلاة والسلام- أما التي فيها: (وما يدريك) فلم يُعلمه الله سبحانه وتعالى به، فكل آية فيها: (وما أدراك) فقد أدراه، (وما يدريك) فلم يدره، واستدل القائلون بهذا القول بعدة أدلة في كتاب الله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ [المرسلات: ١٤-١٥]، أما: وما يدريك، فاستدل بقوله تعالى: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا﴾ [الأحزاب: ٦٣]، فلم يخبره الله بموعدها بالضبط، ومن العلماء من قال: إن هذا القول أغلبي، والله أعلم.
﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ [الطارق: ٣] أي: أن الطارق هو: النجم الثاقب، أي: المضيء؛ لأنه يثقب بضوئه ظلام الليل، إذاً: الطارق: الآتي ليلاً وهو: النجم.


الصفحة التالية
Icon