تفسير قوله تعالى: (فلينظر الإنسان مم خلق)
قال سبحانه: ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ﴾ [الطارق: ٥] تنبيه على أصل خلقة الإنسان حتى يتواضع ولا يغتر.
﴿خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾ [الطارق: ٦].
الماء: هو المني، و (دافق) بمعنى: مدفوق، أي: خلق من ماء مدفوق، وكما قال العلماء في المني: إنه يخرج بشهوة، ودفق، ويتبعه فتور، فرب العزة يقول: ﴿خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾ أي: من ماء مدفوق، فهو تنبيه للإنسان على أصل خلقه الذي خلق منه حتى يتواضع لله ولا يستكبر، وإذا علم ما هو أصله، تواضع وخضع إن كان يؤمن بالله واليوم الآخر.
﴿يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ﴾ [الطارق: ٧]، الصلب: فقرات الظهر، ﴿وَالتَّرَائِبِ﴾ [الطارق: ٧] المراد بالترائب عند جمهور المفسرين: موضع القلادة من صدر المرأة.
يعني: صدر المرأة بصفة عامة، أو بصورة أدق: المكان الذي يوضع عليه العقد الذي تلبسه المرأة، وهو المكان الذي بين الثديين، فالإنسان خلق من ماء دافق، ﴿يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾.
فعلى هذا هل الإنسان أصله من الرجل فقط، أم من الرجل والمرأة؟ هذه المسألة محل نزاع بين أهل العلم، فمنهم من قال: خلق من الرجل فقط، لقوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى﴾ [القيامة: ٣٧] ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢]، ومنهم من قال: من الاثنين معاً، لقوله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْب وَالتَّرَائِبِ﴾، فالترائب: موضع القلادة من صدر المرأة، وهذا رأي جمهور المفسرين، بل نقل بعضهم الإجماع على هذا، وفي نقل الإجماع تحفظ.


الصفحة التالية
Icon