تفسير قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناعمة)
قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ﴾ كما أسلفنا أن من أهل العلم من قال: إن من أسباب تسمية الآيات مثاني، وإطلاق المثاني على آيات القرآن: أنه يأتي بأوصاف قومٍ وأوصاف قومٍ مقابلين لهم، فلما ذكر الله سبحانه أوصاف الكافرين ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ﴾ ثنى بوصف حال المؤمنين فقال: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ﴾، فمن أهل العلم من قال: إن المراد بالوجوه الناعمة: المتنعمة التي تعيش في نعيم، ومنهم من قال: الوجوه التي ظهر عليها أثر النعمة وأثر النعيم، وفي هذه الآية: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ﴾ ما يستدل به، لقول القائلين بأن أهل الإيمان لا يعتريهم خوف يوم القيامة، كما قال تعالى: ﴿وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ﴾ [يونس: ٢٦] وهذه مسألة اختلف فيها بعض الاختلاف ألا وهي: هل أهل الجنة يعتريهم شيء من الخوف والحزن يوم القيامة أو أن هذا الخوف والحزن لا يعتري إلا الكفار؟ من أهل العلم من قال: إن الخوف والحزن لا يعتري إلا الكفار، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ﴾ [فصلت: ٣٠] أي: عند الموت ﴿أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾ [فصلت: ٣٠-٣١]، وكما قال تعالى: ﴿يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ﴾ [الزخرف: ٦٨-٦٩]، ومن أهل العلم وهم الأكثر من قال: إن أهل الإيمان يعتريهم هذا الخوف والحزن لما ورد عن النبي ﷺ في حديث الشفاعة الطويل: (قول كل نبي من الأنبياء: نفسي نفسي، إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولم يغضب بعده مثله) الحديث، ولقول المرسلين على جنباتي الصراط: (رب سلم سلم)، ولقوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [الحج: ٢]، وبعد ذلك يكون المآل إلى الطمأنينة والأمن بالنسبة لأهل الإيمان، والله أعلم.