ولما كان الإنسان ضعيفاً محتاجاً إلى ربه تعالى باستمرار فإن (كلا) أداة الزجر دافعة لاعتراضه على تربية ربه له لأن الذي خلقه أدرى به، فإذا ترك مستقلاً دون رعاية وتوجيه وإرشاد طغى، وإن أمر الإنسان لعجيب إذا طغى، وأول هذا الطغيان الذي يأتي عليه بالكلية ويجعل مأواه النار استغناؤه عن الله تعالى، واعتراضه على تربية الله تعالى له، وهو مفتقر محتاج له. ولأن الصلاة وهي الدعاء صلة العبد بربه عز وجل وهي أعظم أنواع العبادة، فإن الرائي المتفكر ليتعجب ويتعجب ويزداد عجباً من سلوك هذا الصنف من الناس الذين اعترضوا على عبادة الله تعالى وعلى الصلاة، وعلى الهدى، وعلى الأمر بالتقوى، وكذبوا بدين الله. فقال تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣).
قال أبو مسعود في تفسيره (٥/٢٧٤) "هذه الآية تقبيح وتشنيع لحال الطاغي وتعجيب منها".
إن هذا الصنف الطاغي، الذي يعادي عقيدة المؤمنين بالله تعالى والذي يمنعهم من صلاتهم وينزل بهم الأذى والعذاب صنف يستحق العقاب.
ولما أخبر الله تعالى بطغيان الإنسان عجل بذكر الدواء، ولا دواء للطغيان إلا أن يتذكر الإنسان أنه مفتقر لله تعالى وأنه لا يزال مفتقراً له في حياته ومماته وغناه وفقره، ومن رحمته تعالى أن ذكر الإنسان الذي أحسن له في التربية بالرجوع الأعظم الثابت الذي لا يحيد عنه فقال: (إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى).
الباب الرابع
عاقبة المكذبين
أخرج مسلم في صحيحه - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم - باب قوله تعالى: إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى، (رقم: ٣٨/٢٧٩٧)، وأحمد، وابن جرير في التفسير (١٥/٣٠/٢٥٦) والنسائي في التفسير (رقم: ٧٠٣) عن أبي هريرة قال:


الصفحة التالية
Icon