للحوار القرآني سماتٌ لا تجتمع في غيره من الحوارات، هذه السمات تدورُ مع الخصائص العامة لهذا الكتاب، الذي نزل هدايةً ورحمةً، وتبصرةً وذكرى، وحجةً وبرهانا، فضلا عن كونه المعجزةَ الخالدةَ والآيةَ المتجددةَ التي تحدَّى اللهُ بها العربَ والعجمَ، بلهَ الإنس والجن، ومن هذه السمات :
العموم
ومن عمومه أيضا مخاطبتُه لجميع الناس على اختلاف مداركهم، مع الجمع بين الوضوحِ والبيانِ والدقَّةِ والإتقان، فتراه متلائما متوافقا مع تفاوت العقول وتعدد الثقافات وتنوع الاهتمامات واختلاف المواهب والملكات، مع ذلك لا تلقى فيه تعارضا أو تناقضا أو تفاوتا في روعة الأساليب ورفعتها وجلالها ودقتها.
والمتأمل في السورة الكريمة وما اشتملت عليه من حُجَجٍ يَلْحَظُ التنوع في الحوار والتفنن في الأساليب بما يتلاءم مع تنوع الناس وتفاوتِ مداركهم، ففيهم العاميُّ وفيهم العالم، وفيهم من له عناية بعلم من العلوم أو فن من الفنون، فجاء الخطاب في السورة متنوعا لمراعاة تنوع المخاطبين، " والمحاور الفطن يعرف من يحاوره، وبالتالي يعرف الطريقة التي ينبغي له أن يناقشه بها ويحاوره " (١).
من هنا كان هذا التنوعُ العجيبُ في عرض الحجج والبراهين التي تناسب جميع العقول وتتواكب مع سائر العصور والأجيال. (٢).
(٢) - يراجع ما ذكره الشيخ عبد العظيم الزرقاني في مناهل العرفان رحمه الله ٢ / ٢٢٥