وهذه آية كتلك يراها العباد ولا يتدبرونها. بل هذه أقرب إليهم وأيسر تدبرا لو فتحوا قلوبهم للآيات.
ولعل الفلك المشحون المذكور هنا هو فلك نوح أبي البشر الثاني الذي حمل فيه ذرية آدم. ثم جعل اللّه لهم من مثله هذه السفن التي تمخر بهم العباب. وهؤلاء وهؤلاء حملتهم قدرة اللّه ونواميسه التي تحكم الكون وتصرفه وتجعل الفلك يعوم على وجه الماء، بحكم خواص الفلك، وخواص الماء، وخواص الريح أو البخار، أو الطاقة المنطلقة من الذرة، أو غيرها من القوى. وكلها من أمر اللّه وخلقه وتقديره.
«وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ. إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ».. والسفينة في الخضم كالريشة في مهب الريح، مهما ثقلت وضخمت وأتقن صنعها. وإلا تدركها رحمة اللّه فهي هالكة هالكة في لحظة من ليل أو نهار. والذين ركبوا البحار سواء عبروها في قارب ذي شراع أو في عابرة ضخمة للمحيط، يدركون هول البحر المخيف وضآلة العصمة من خطره الهائل وغضبه الجبار. ويحسون معنى رحمة اللّه وأنها وحدها العاصم بين العواصف والتيارات في هذا الخلق الهائل الذي تمسك يد الرحمة الإلهية عنانه الجامح، ولا تمسكه يد سواها في أرض أو سماء. وذلك حتى يقضي الكتاب أجله، ويحل الموعد المقدور في حينه، وفق ما قدره الحكيم الخبير :«وَمَتاعاً إِلى حِينٍ».. (١)

(١) - في ظلال القرآن، ج ٥، ص : ٢٩٦٧


الصفحة التالية
Icon