الحديث. ونعود إلى التعليق مرة ثانية بمناسبة الآيات التي نحن في صددها والتي يقف بعضهم عندها وعند أمثالها لاستنباط قواعد فنية كونية منها أو تطبيق نظريات علمية عليها وبخاصة في صدد حركات الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار، والإدلاء بآراء متنوعة هي أدخل في نطاق التكلّف والتزيد بل والغلوّ أكثر منها في نطاق الحقيقة في حين أن الآيات في مجموعها وأسلوبها وروحها تحمل الدليل على أن القصد منها هو لفت نظر الناس جميعا بأسلوب يفهمونه إلى ما يشاهدونه من مظاهر قدرة اللّه وكونه بقطع النظر عما أقام اللّه سبحانه الكون عليه من نواميس ونسب وقواعد دقيقة محكمة النظام مطردة السير والجريان. ونحن نرى في مثل هذه المحاولات إخراجا للقرآن الكريم عن هدفه الوعظي والتذكيري وتعريضا له للتعديل والجرح اللذين يرافقان عادة الأبحاث العلمية على غير طائل ولا ضرورة.
ولقد جاء في سورة يونس في صدد منازل القمر آية تفيد أن اللّه قدّر القمر منازل ليعلم الناس عدد السنين والحساب وهي : هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥) فإذا لحظنا أن منازل القمر أو دوراته اليومية التي تتبدّل بها صوره كانت هي الوسيلة الممكنة المشاهدة لمعرفة حساب الأيام والأشهر والسنين بالنسبة للسامعين رغم كونها ليست دقيقة تبين لنا أن حكمة التنزيل إنما اقتضت أن يكون الخطاب كما جاء بسبيل تنبيه السامعين إلى نواميس كون اللّه وإثبات وجوده وقدرته على ما هو ملموح بقوة من فحوى السلسلة


الصفحة التالية
Icon