ثم أوضح اللّه تعالى بعض مظاهر قدرته عليهم من إذهاب البصر والمسخ وسلب الحركة، فقال :« وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ » أي لو شاء اللّه لطمس على أعين هؤلاء المشركين، وهم فى هذه الدنيا، وأنزل بهم هذا العقاب الرادع، فأسرعوا إلى الإيمان، واستبقوا إليه، تحت ضغط هذا النذير، ولكن اللّه سبحانه لم يشأ هذا بهم، ولم يلجئهم إلى الإيمان اضطرارا.. فقوله تعالى :« فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ » سبب للطمس على أعينهم، والفاء للسببية.. وقوله تعالى :« فَأَنَّى يُبْصِرُونَ » أي فكيف يبصرون، إذا طمس اللّه على عيونهم ؟
إن هذه الإبصار نعمة جليلة من نعم اللّه، وقد أبقاها اللّه لهم فلم يطمس عليها.. أفلا يرعون هذه النعمة المهددة بالطمس ؟ ثم ألا ينظرون بها، ويهتدون إلى الإيمان ويستبقون بها إلى صراط اللّه المستقيم ؟
«وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ»
أي لو شئنا لبدّلنا خلقهم، وحولنا صورهم إلى صور أخرى أقبح منها كالقردة والخنازير، وهم في أمكنتهم ومواضعهم التي هم فيها يرتكبون السيئات، فلا يتمكنون من الذهاب والمضي أمامهم، ولا الرجوع وراءهم، بل يلزمون حالا واحدا، لا يتقدمون ولا يتأخر
" أي لو شاء اللّه كذلك، لمسخهم على مكانتهم التي هم فيها من الضلال والعناد، هو لم يدخل على مشاعرهم شيئا من الإيمان، ولأمسك بهم على الكفر فما استطاعوا « مضيّا » أي اتجاها إلى الإيمان، ولا رجوعا عما هم عليه من طرق الضلال.. ولكنه سبحانه وتعالى،