ونداؤهم هنا «يا بَنِي آدَمَ».. فيه من التبكيت ما فيه. وقد أخرج الشيطان أباهم من الجنة ثم هم يعبدونه، وهو لهم عدو مبين.
«وَأَنِ اعْبُدُونِي».. «هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ».. واصل إليّ مؤد إلى رضاي.
فلم تحذروا عدوكم الذي أضل منكم أجيالا كثيرة.. «أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ؟».
وفي نهاية هذا الموقف العصيب المهين يعلن الجزاء الأليم، في تهكم وتأنيب :
«هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ»!
ولا يقف المشهد عند هذا الموقف المؤذي ويطويه. بل يستطرد العرض فإذا مشهد جديد عجيب :«الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ، وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ، وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ»..
وهكذا يخذل بعضهم بعضا، وتشهد عليهم جوارحهم، وتتفكك شخصيتهم مزقا وآحادا يكذب بعضها بعضا. وتعود كل جارحة إلى ربها مفردة، ويثوب كل عضو إلى بارئه مستسلما.
إنه مشهد عجيب رهيب تذهل من تصوره القلوب! كذلك انتهى المشهد وألسنتهم معقودة وأيديهم تتكلم، وأرجلهم تشهد، على غير ما كانوا يعهدون من أمرهم وعلى غير ما كانوا ينتظرون. ولو شاء اللّه لفعل بهم غير ذلك، ولأجرى عليهم من البلاء ما يريد..
ويعرض هنا نوعين من هذا البلاء لو شاء اللّه لأخذ بهما من يشاء :«وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ، فَأَنَّى يُبْصِرُونَ، وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ»..