ثم أعاد تعالى الكلام في الوحدانية وأتى ببعض أدلتها، فقال « أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ »
" هو عرض للآيات الكونية، التي تكشف عنها الآيات القرآنية لأبصار هؤلاء المشركين، الذين دعوا إلى إعادة النظر فى كتاب اللّه، وإلى إخلاء مشاعرهم من القول بأنه شعر، وأن الرسول الذي جاء به من عند اللّه شاعر.. فهذا الكتاب الذي بين أيديهم ليس شعرا، إنه ذكر وقرآن مبين.. ومن الذكر الذي فى هذا القرآن ـ هذا العرض الذي تعرض فى آياته هذه المظاهر من قدرة اللّه، وصنعة يده.. فهذه الأنعام التي يملكها هؤلاء المشركون، والتي فيها عبرة وذكرى لمن سمع، ووعى.. من خلقها ؟ ومن جعل لهم سلطانا عليها ؟ ومن وضعها فى أيديهم وجعلها ملكا خالصا لهم ؟..
ألا فلينظروا بعقولهم إلى هذه الأنعام، وليجيبوا على هذه الأسئلة التي تطلع عليهم منها.. إنها صنعة اللّه، وفى ملكه.. ولكنه ـ سبحانه ـ قد ملّكهم اللّه إياها، وأقدرهم على تسخيرها، والانتفاع بها.."
قوله تعالى :« وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ » أي أنه لو لا أن ذللّها اللّه لهم، وجعلها فى خدمتهم، لما قدروا عليها، ولما أمسكوا بها.. إذ كانت أقوى قوّة منهم.. ولو شاء اللّه لجعلها فى طبائع الحيوانات المفترسة، التي لا تألف الناس، ولا يألفها الناس.. فلا يكون لهم منها نفع أبدا.."
أي أو لم يشاهد هؤلاء المشركون باللّه عبدة الأصنام وغيرهم أن اللّه خلق لهم هذه الأنعام (وهي الإبل والبقر والغنم) التي سخرها لهم،