ـ لم يقف عند هذه الدعوة، بل أقبل يحاجّ اللّه ويجادله، ويضرب الأمثال له.. « إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ » (٣٤ : إبراهيم)..
والمثل الذي ضربه هذا الكافر، ليدلل به على معتقده الفاسد، فى إنكار البعث ـ هذا المثل، هو أنه نظر فى هذه العظام البالية التي يراها فى قبور الموتى، ثم اتخذ منها معرضا يعرضه على الناس، ويسألهم هذا السؤال الإنكارى الساخر :« مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ » ؟ أهذه العظام التي أبلاها البلى تعود ثانية كما كانت، ويتشكل منها أصحابها الذين كانوا يحيون بها فى الحياة ؟
أهذا معقول ؟ إن محمدا يقول هذا.. فما ذا تقولون أنتم أيها الناس فيمن يقول هذا القول ؟ ألا ترجمونه ؟ ألا تسخرون من جنونه ؟.
وقوله تعالى :« وَنَسِيَ خَلْقَهُ » جملة حالية، أي أن هذا الكافر ضرب هذا المثل ناسيا خلقه، ولو ذكر خلقه وكيف كان بدؤه، ثم كيف صار ـ لرأى بعينيه ـ قبل أن يرى بعقله ـ إن كان له عقل ـ أن هذه النطفة التي أقامت منه هذا الإنسان الخصيم المبين، هى أقل من العظام شأنا، وأبعد منها عن مظنّة الحياة.
إذ كانت النطفة لا تعدو ـ فى مرأى العين ـ أن تكون نقطة ماء قذرة أشبه بالمخاط.. أما العظام فهى تمثل حياة كاملة، كانت تسكن فى تلك العظام ـ إنها عاشت فعلا حياة كاملة، وكان منها إنسان كامل، كهذا الإنسان، الذي يجادل، ويضرب الأمثال للّه..
فهذه العظام، تمثل حياة لها تاريخ معروف.. أما النطفة، فلا ترى عين هذا الجهول فيها أثرا للحياة."


الصفحة التالية
Icon