الفطر مجذوبة إلى الذي فطرها، تتجه إليه أول ما تتجه، فلا تنحرف عنه إلا بدافع آخر خارج على فطرتها. ولا تلتوي إلا بمؤثر آخر ليس من طبيعتها. والتوجه إلى الخالق هو الأولى، وهو الأول، وهو المتجه الذي لا يحتاج إلى عنصر خارج عن طبيعة النفس وانجذابها الفطري. والرجل المؤمن يحس هذا في قرارة نفسه، فيعبر عنه هذا التعبير الواضح البسيط، بلا تكلف ولا لف ولا تعقيد! وهو يحس بفطرته الصادقة الصافية كذلك أن المخلوق يرجع إلى الخالق في النهاية. كما يرجع كل شيء إلى مصدره الأصيل. فيقول :«وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ».. ويتساءل لم لا أعبد الذي فطرني، والذي إليه المرجع والمصير؟ ويتحدث عن رجعتهم هم إليه. فهو خالقهم كذلك. ومن حقه أن يعبدوه.
ثم يستعرض المنهج الآخر المخالف للمنهج الفطري المستقيم. فيراه ضلالا بينا :«أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ؟»..
وهل أضل ممن يدع منطق الفطرة الذي يدعو المخلوق إلى عبادة خالقه، وينحرف إلى عبادة غير الخالق بدون ضرورة ولا دافع؟ وهل أضل ممن ينحرف عن الخالق إلى آلهة ضعاف لا يحمونه ولا يدفعون عنه الضر حين يريد به خالقه الضر بسبب انحرافه وضلاله؟
«إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ»..
والآن وقد تحدث الرجل بلسان الفطرة الصادقة العارفة الواضحة يقرر قراره الأخير في وجه قومه المكذبين المهددين المتوعدين. لأن صوت