الأول منهما : أن معنى ﴿ مَاَ قَدَّمُواْ ﴾ ما باشروا فعله في حياتهم، وأن معنى ﴿ وَآثَارَهُمْ ﴾ : هو ما سنّوه في الإسلام من سنة حسنة أو سيئة، فهو من آثارهم التي يعمل بها بعدهم.
الثاني : أن معنى آثارهم خطاهم إلى المساجد ونحوها من فعل الخير، وكذلك خطاهم إلى الشر، كما ثبت عنه - ﷺ - أنّه قال :« يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم » يعني خطاكم من بيوتكم إلى مسجده - ﷺ -.
أما على القول الأول فالله جل وعلا قد نص على أنهم يحملون أوزار من أضلوهم وسنوا لهم السنن السيئة كما في قوله تعالى :﴿ لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾[ النحل : ٢٥ ] الآية. وقوله تعالى :﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾[ العنكبوت : ١٣ ].
وقد أوضحنا ذلك في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [ النحل : ٢٥ ] وذكرنا حديث جرير، وأبي هريرة في صحيح مسلم في إيضاح ذلك ومن الآيات الدالة على مؤاخذة الإنسان بما عمل به بعده مما سنه من هدى أو ضلالة. قوله تعالى :﴿ يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾ [ القيامة : ١٣ ] بناء على أن المعنى بما قدّم مباشراً له، وأخّر مما عمل به بعده ممّا سنه من هدى أو ضلال. وقوله تعالى :﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ﴾ [ الانفطار : ٥ ] على القول بذلك.
وأما على تفسير الثاني : وهو أن معنى ﴿ وَآثَارَهُمْ ﴾ خطاهم إلى المساجد ونحوها، فقد جاء بعض الآيات دالاً على ذلك المعنى كقوله تعالى :﴿ وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ ﴾ [ التوبة : ١٢١ ] لأن ذلك يستلزم أن تكتب لهم خطاهم التي قطعوا بها الوادي في غزوهم.
وأما الرابع : وهو قوله تعالى :﴿ وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ في إِمَامٍ مُّبِينٍ ﴾ فقد تدّل عليه الآيات الدالة على الأمر الثاني، وهو كتابة جميع الأعمال التي قدّموها بناء على أن المراد بذلك خصوص الأعمال.