الحبيب! والقرآن حكيم. يخاطب كل أحد بما يدخل في طوقه. ويضرب على الوتر الحساس في قلبه. ويخاطبه بقدر.
ويخاطبه بالحكمة التي تصلحه وتوجهه.
والقرآن حكيم. يربي بحكمة، وفق منهج عقلي ونفسي مستقيم. منهج يطلق طاقات البشر كلها مع توجيهها الوجه الصالح القويم. ويقرر للحياة نظاما كذلك يسمح بكل نشاط بشري في حدود ذلك المنهج الحكيم.
يقسم اللّه سبحانه بياء وسين والقرآن الحكيم على حقيقة الوحي والرسالة إلى الرسول الكريم :«إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ»..
وما به سبحانه من حاجة إلى القسم. ولكن هذا القسم منه - جل جلاله - بالقرآن وحروفه، يخلع على المقسم به عظمة وجلالا، فما يقسم اللّه سبحانه إلا بأمر عظيم، يرتفع إلى درجة القسم به واليمين! «إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ».. والتعبير على هذا النحو يوحي بأن إرسال الرسل أمر مقرر، له سوابق مقررة.
فليس هو الذي يراد إثباته. إنما المراد أن يثبت هو أن محمدا - ﷺ - من هؤلاء المرسلين. ويخاطبه هو بهذا القسم - ولا يوجهه إلى المنكرين المكذبين - ترفعا بالقسم وبالرسول وبالرسالة عن أن تكون موضع جدل أو مناقشة. إنما هو الإخبار المباشر من اللّه للرسول.
«إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ».. وهذا بيان لطبيعة الرسالة بعد بيان حقيقة الرسول. وطبيعة هذه الرسالة الاستقامة. فهي قائمة كحد السيف لا عوج فيها ولا انحراف، ولا التواء فيها ولا ميل. الحق فيها واضح لا غموض فيه ولا التباس. ولا يميل مع هوى ولا ينحرف مع مصلحة. يجده من يطلبه في يسر وفي دقة وفي خلوص.
وهي لاستقامتها - بسيطة لا تعقيد فيها ولا لف ولا دوران. لا تعقد الأمور ولا توقع في إشكالات من القضايا والتصورات والأشكال الجدلية. وإنما تصدع بالحق في أبسط صورة من صوره، وأعراها عن الشوائب والأخلاط، وأغناها عن