وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ أي واضرب مثلا في الغلو والعناد والكفر يا محمد لقومك الذين كذبوك بأهل تلك القرية حين أرسل اللّه إليهم ثلاثة فكذبوهم، كما كذبك قومك عنادا، وأصر الفريقان على التكذيب..
والقرية : أنطاكية في رأي جميع المفسرين، والمرسلون : أصحاب عيسى عليه السلام أرسلهم مقررين لشريعته، في رأي ابن عباس وكثير من المفسرين.
وعقب الخطيب بقوله :" هذا التأويل للقرية وللرسل، لا يقوم له شاهد من القرآن الكريم، ولا تدل عليه إشارة من إشاراته القريبة أو البعيدة.. وإنما هو من واردات أهل الكتاب، وأخبارهم. والخبر هنا وارد من المسيحية، وينسب إلى وهب ابن منبّه، الذي تلقاه من المسيحية، مما يعرف عند المسيحيين بأعمال الرسل، الملحقة بالأناجيل..
فهذا التأويل ـ فى نظرنا ـ لا يعوّل عليه، ما دام غير مستند إلى دليل من القرآن الكريم ذاته.. فالقرآن الكريم ـ فى رأينا ـ يفسر بعضه بعضا، وهو كما وصفه الحق سبحانه وتعالى فى قوله :« وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ » (٨٩ : النحل) فكيف لا يكون تبيانا لما فيه ؟.
وندع القرية واسمها، والرسل والصفة التي لهم ـ ندع هذا الآن، ونعرض المثل على أن القرية واحدة من القرى المبثوثة فى هذه الدنيا، وأن الرسل، هم بعض رسل اللّه إلى عباده..
فهذه قرية، قد جاءها رسل، مبعوثون من عند اللّه، وقد دعوا أصحابها إلى الإيمان، فلم يلقوا منهم إلّا الصد اللئيم، والقول القبيح.." (١)
ثم بيّن عدد الرسل فقال : إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما، فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ، فَقالُوا : إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ أي حين أرسلنا إليهم رسولين، فبادروا إلى تكذيبهما في الرسالة، فأيدناهما وقويناهما برسول ثالث، فقالوا لأهل تلك القرية : إنا مرسلون إليكم من ربكم الذي خلقكم بأن تعبدوه وحده لا شريك له، وتتركوا عبادة الأصنام.

(١) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١١ / ٩١٣)


الصفحة التالية
Icon