أى : قالوا لهم بثقة وأدب : ربنا - وحده - يعلم إنا إليكم لمرسلون، وكفى بعلمه علما، وبحكمه حكما، وما علينا بعد ذلك بالنسبة لكم إلا أن نبلغكم ما كلفنا بتبليغه إليكم تبليغا واضحا، لا غموض فيه ولا التباس.
فأنت ترى أن الرسل لم يقابلوا سفاهة أهل القرية بمثلها، وإنما قابلوا تكذيبهم لهم.
بالمنطق الرصين، وبتأكيد أنهم رسل اللّه، وأنهم صادقون في رسالتهم، لأن قولهم رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ جار مجرى القسم في التوكيد.
وقولهم : وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ تحديد للوظيفة التي أرسلهم اللّه - تعالى - من أجلها. " (١)
" ليس الأمر كما ذكرتم من أن وجودنا بينكم هو سبب شؤمكم، بل الحق أنكم قوم عادتكم الإسراف في المعاصي، وفي إيثار الباطل على الحق، والغي على الرشد، والتشاؤم على التيامن. " (٢)
" وهذا الرجل كان اسمه حبيب النجار، لأنه كان يشتغل بالنجارة.
وقد أكثر بعض المفسرين هنا من ذكر صناعته وحاله قبل مجيئه، ونحن نرى أنه لا حاجة إلى ذلك، لأنه لم يرد نص صحيح يعتمد عليه فيما ذكروه عنه.
ويكفيه فخرا هذا الثناء من اللّه - تعالى - عليه بصرف النظر عن اسمه أو صنعته أو حاله، لأن المقصود من هذه القصة وأمثالها في القرآن الكريم هو الاعتبار والافتداء بأهل الخير.
وعبر هنا بالمدينة بعد التعبير عنها في أول القصة بالقرية للإشارة إلى سعتها، وإلى أن خبر هؤلاء الرسل قد انتشر فيها من أولها إلى آخرها.
والتعبير بقوله : يَسْعى : يدل على صفاء نفسه، وسلامة قلبه، وعلو همته، ومضاء عزيمته، حيث أسرع بالحضور إلى الرسل وإلى قومه، ليعلن أمام الجميع
(٢) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم لطنطاوي - (١٢ / ٢١)