فمن شأن القرآن أن يقيم المتصلين به على طريق الحق، فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويؤمنون باللّه! إن الذي يستقيم على دعوة القرآن، لهو إنسان سليم فى كيانه، معافى فى نفسه، ثم هو مع ذلك قادر على أن يحمل الهدى إلى غيره، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويكون خليفة اللّه فى الأرض، وخليفة الرسول فى الدعوة إلى اللّه، وهداية الناس إليه.
ولكن صحبة المسلمين للقرآن لم تكن قائمة على العدل والإحسان فى جميع الأحوال.. فكثيرا ما أساء المسلمون تلك الصحبة، وأوسعوها جفاء وعقوقا، حيث يعيش القرآن فيهم غريبا.. لا يقفون عنده، ولا يلتفتون إليه، ولا يتدبرون آياته، ولا يتلقون بعض ما فيه من خير وهدى! والجفوة التي بين المسلمين وبين القرآن الكريم جفوة غليظة مستحكمة، قد تداعت عليها دواع كثيرة، أحكمت بنيانها، وثبتت دعائمها، فلم يعد بين المسلمين وبين القرآن طريق يصلهم به إلا تلك الطرق الدارسة الطامسة، التي تتصاعد منها أتربة وأدخنة، تعمّى على الناظر منهم فى كتاب اللّه، وجوه الحق والخير التي فيه.
وإن كل حظ المسلمين اليوم من القرآن هو حظهم من مخلّفات الآباء والأجداد، مما تضمه المتاحف ودور الآثار، يزورونها لماما، ويطرقونها حينا بعد حين.. قد تثير فيهم تلك الزّورة نشوة عارضة، أو تبعث فيهم عزّة كاذبة، ينفضونها عن نفوسهم قبل أن يجاوزوا المزارة، كما ينفضون ما قد يكون علق على ثيابهم من التراب، وهم يجوسون خلال الديار! فنحن نلمّ بالقرآن إلماما، ونلقاه حينا بعد حين، وقد نذكر به فى تلك اللقاءات، وهذه الإلمامات، ما نذكر من مواعظ وعظات، ثم لا نلبث حتى ننخلع عن هذه المشاعر قبل أن نضع المصحف من أيدينا، لنلقى الحياة ونختلط بها، كما نحن، على الوجه الذي كنا نصحبها به، ونعيش معها عليه! فما يحدّث به القرآن شىء، وحياتنا التي نحياها ونتقلب فيها شىء آخر، بعيد كل البعد عن القرآن، وما يحدثنا به القرآن!