يفتح قلوبهم وعقولهم إلى اللّه، حتى يؤمنوا، ويلحقوا بركب المؤمنين، قبل أن تفلت من أيديهم تلك الفرصة السانحة، ثم لا يكون منهم إلا الحسرة والندم، ولات ساعة مندم. (١).
المعنى العام :
تقدم أن قلنا غير مرة : إن تقسيم الكتاب الكريم إلى الأجزاء الثلاثين لوحظ فيه العدّ اللفظي لا الاتصال المعنوي، إذ كثيرا ما تكون بداءة الجزء في أثناء القصّة الواحدة كما هنا، فإنه بعد أن بين حال الناصح الشهيد ودخوله الجنة - أردف ذلك ذكر حال المتخلفين المخالفين له، ثم ذكر سنة اللّه في أمثالهم في العذاب الدنيوي ثم هم يردّون إلى ربهم فيعذبهم في الآخرة. (٢)
فأما حال من أشرك وكفر وكذب فعاقبته الخسران والضلال والهلاك، اسمع إلى الحق تبارك وتعالى يقول وهو أصدق القائلين : وما أنزلنا على قوم هذا الرجل المؤمن بعد نجاته من جند من السماء، وما كان ينبغي لنا أن ننزل فلسنا في حاجة إلى ذلك أبدا.
ما كانت عقوبتهم إلا صيحة واحدة فقط من جبريل فإذا هم بسرعة كسرعة البرق خامدون هامدون لا حراك ولا حرارة ولا حياة، وسبحان اللّه الواحد القهار فاعتبروا يا أهل مكة إن كنتم من أولى الأبصار!!
وما أنزل ربك - القادر على كل شيء - على قوم الرجل المؤمن الذي جاء من أقصى المدينة يسعى من بعد موته، ما أنزل عند إهلاكهم جندا من السماء ؟ وما احتاج الأمر إلى شيء من ذلك فبأى شيء كان إهلاكهم ؟ ما كانت إلا صيحة واحدة من جبريل فإذا هم بعدها مباشرة خامدون وميتون لا حراك بهم، خمدوا كما تخمد النار فتصير رمادا.

(١) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٢ / ٩٢٥)
(٢) - تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٢٣ / ٤)


الصفحة التالية
Icon